أمينة خيري
ما زلت أطالب بالبحث عن مسبِّبات الرضا بين الناس، والعمل عليها سريعاً.. لا من باب العلاجات الجذرية؛ حيث تصحيح مسارات اقتصادية، وإعادة ترتيب أولويات تنموية، وإلا نكون مساهمين فى خداع أنفسنا. ولا على سبيل المسكّنات والمهدّئات، وإلا وجدنا أنفسنا مغموسين أكثر فأكثر.. في تغوُّل وتدخُّل الخطاب الديني.. في شؤون الحياة الثقافية والاجتماعية والتعليمية والمعيشية والرياضية، ونحن مشبعون بما فيه الكفاية ويزيد.
كتبت قبل أيام عن رضا المواطن، ولا أقصد أن تكون خطبة الجمعة.. عن أهمية الرضا.
الرضا – أو عدمه – المقصود.. أغلب أسبابه اقتصادية، ثم يأتي قدر معتبر من الفوضى في الشارع، وهو ملف يعتبره البعض.. رفاهية لا تحتملها الظروف الصعبة، وهو ما أختلف معه قلباً وقالباً.
الجهود المبذولة من قبَل الحكومة – سواء في صورة مبادرات أو برامج – للتخفيف عن كاهل الفئات الأكثر تضرراً اقتصادياً.. واضحة ومشكورة ومثمَّنة، لكن يبدو أن هناك حلقة ما مفقودة في السوق. مبادرات تنفق المليارات من ميزانية الدولة هنا، وقفزات وشطحات ونطحات تدفع بأسعار خدمات وسلع.. لمستويات أقل ما يمكن أن توصف به هو «الجنونية».
هذا الجنون غير مفهوم. مفهوم أن الأسعار تتأثر بعوامل عالمية، وظروف إقليمية، وثالثة تتعلق بأوضاعنا الاقتصادية، ومفهوم أن تتأثر بكل ما سبق.. أسعار سلع غذائية ووقود وكهرباء وما شابه. أما غير المفهوم، فهو أن تطلق الحكومة مبادرات لخفض أسعار العديد من السلع الغذائية، ويشعر المواطن بذلك فعلياً، ولكن تشتعل أسعار «خدمات».. تستنزف ما أصلحته المبادرات.
أخشى أن مقولة «المواطن لا يشعر بثمار الإصلاح الاقتصادي».. لم تعد تدق نواقيس خطر. عقود طويلة، وكُتاب واقتصاديون يرددونها، حتى لم يعد لها وقْع يذكر؛ لا عند المواطن العادي ولا غير العادي.
انخفض معدل التضخم بعض الشيء؟ نعم. بدأ نمو إيجابى يتحقق؟ نعم. انخفضت أسعار بعض السلع الغذائية قليلاً؟ نعم.
ولكن الحلقة بين الأرقام الجيدة، وبين قدرة المواطن على التقاط أنفاسه.. ما زالت مفقودة أو مفتقدة.
ضمن العوامل المسبِّبة لذلك – والتي لا أعرف جميعها – ارتفاع أسعار «الخدمات» غير المقيدة، أو غير المعترف بها رسمياً؛ مثلاً، التاكسي الأبيض لم يعد يعمل بالعداد، ووارد جداً.. أن المفاوضات والمعارك بين السائق والراكب، تسفر عن اضطرار الراكب لدفع مائة جنيه.. في مشوار كلفته 50 جنيهاً. التوك توك يفرض سطوته وجبروته على زبائنه.. (ناهيك عن فوضاه العارمة). المدرس الخصوصي ضاعف أجره، أطباء كثيرون يحلقون في فضاءات.. لا يقوى عليها إلا تاجر الممنوعات. ولكن، لأن لا صوت يعلو على مرض حبيب أو عزيز، فإن البعض يقترض لسداد «فيزيتا» الطبيب.. الذي قال الأسبقون عنه إنه الأفضل والأشطر.
ولن أستفيض في سرد «استفراد» السباك، والكهربائي، والنقاش، وغيرهم.. بنا.
وعلى المتضرر – أو غير القادر على دفع ألف جنيه.. في سد ثقب في حوض الحمام – أن يلغي حوض الحمام.. والقائمة طويلة.
الناس مستعدون للصبر والتحمّل، شرط رؤية ملمح للضوء فى نهاية النفق.
نقلاً عن «المصري اليوم»