Times of Egypt

افعلوا ما تشاؤون ولكن لا تقتلوا الأمل في المستقبل

M.Adam
محمد أبو الغار 

محمد أبوالغار

النظام المصري قام بإجراءاتٍ اقتصادية وسياسية كبيرة.. أدت إلى تغييراتٍ هامة في مصر. هذه المقالة ليست لها علاقة بالنظام السياسي ولا بالنظام الاقتصادي – وكلاهما عليه خلافاتٌ كبيرة مع عددٍ كبير من السياسيين، ومن جماهير الشعب عموماً – ولكنني سوف أتحدث عن أمورٍ أخرى.. هي – في النهاية – التي سوف تحدد مستقبل الوطن.. على المدى البعيد، بغضِّ النظر عن الوضع الناتج عن المشاكل السياسية والاقتصادية الحالية.

دعنا نفكر معاً.. في المستقبل البعيد، دعنا نفكر في مصر.. بعد ثلاثين أو أربعين عاماً. هل هناك فرصة للخروج من هذا المأزق الرهيب؟ 

نعم، هناك فرصة.. بعد كل ما حدث، ويمكن أن تنمو مصر، وتصبح دولةً ذات وضعٍ خاص متميز.. كما كانت دائماً، حتى في أحلك الظروف، وفي عصور الاحتلال المختلفة، القديمة والحديثة، من مماليك وعثمانيين وإنجليز. كانت مصر لها وضعٌ مختلف بين الدول المحتلة، وكانت لها فترات نهوضٍ متعددة.. في عصورٍ متفاوتة.

بعد أربعة عقود من الآن، وبعد اختفاء جميع السياسيين الحاليين، قد تكون مصر قادرة على الاحتفاظ بمكانتها والصعود والمنافسة عالمياً.. إذا استطاعت أن تستغل أمرين: قدرات شعب مصر وتاريخ مصر، والتراكم فيما بناه المصريون على أرضها خلال قرونٍ طويلة.

شعب مصر ضخمٌ في التعداد، ويلزمه فقط التعليم. ولا أقصد بالتعليم نظام الكتاتيب وفك الخط ومحو الأمية، فكل هذه أشياء هامة، فاستمرار الأمية إهانة لكل مصري. 

لكن الأهم أن نخلق طبقة واسعة متعلمة تعليماً راقياً وحديثاً، تستطيع أن تقود ثورةً صناعية في مجال الإلكترونيات، والذكاء الاصطناعي، وصناعة الرقائق الإلكترونية. هذه الطبقة.. هي القادرة على أن تقود، عن طريق هذه التكنولوجيا، والصناعات التقليدية المختلفة التي يؤسّسها أصحاب رؤوس الأموال وتضمن نجاحها هذه القيادات الحديثة المتعلمة.

ما أطلبه من الدولة المصرية الحالية.. هو ألا تعوق هذا الطريق في التعليم، وأن نعيد التفكير فيما نفعله.. بإنشاء جامعاتٍ خاصة وأهلية؛ معظمها شديد الضعف. ولأنها جميعاً لا تنتج أبحاثاً علمية، فلا يُعترف بها كجامعات. ووظيفتها الآن، هي إنتاج خريجين.. يتراوح مستواهم بين الضعيف غير الصالح للعمل في أي مجال حديث، وبين المتوسط الذي قد يؤدي عملاً بسيطاً، لكنهم غير قادرين على النهوض بدولةٍ حديثة.

وفي وسط ذلك، تقوم وزارة التعليم المصرية بإلغاء الدور الفعّال.. للجامعة البحثية الوحيدة في مصر؛ بتغيير قانونها – المتفق عليه مع مؤسسها الدكتور زويل في مجلس النواب – لتؤكد أن الربح فقط هو المطلوب، وأن البحث العلمي ليس له أهمية. وزراء التعليم.. علاقتهم بالتعليم والثقافة محدودة؛ فلسفتهم هي إنشاء كتاتيب، وجامعات محدودة القيمة، ومحاولة الربح بأكبر قدر ممكن. إنهم لا يريدون فتح باب المستقبل.. بإنشاء جامعاتٍ بحثية لعلماء حقيقيين.. بعيداً عن روتين الحكومة، لأعدادٍ محدودة من الطلبة النابغين.. على أن تزداد هذه الجامعات تدريجياً، وترسل بعثات وتدعو أساتذة أجانب.

لو غيَّرنا نظام التعليم.. خطوةً خطوةً، فسوف نضمن المستقبل للأبناء والأحفاد، ونضمن لهم الخروج من عالم الجهلاء؛ لأنه – بعد مرور عشرين عاماً – سيصبح من لا يتعلم تعليماً حديثاً.. مثل الذي لا يفك الخط الآن. وإذا لم نستطع – في هذه الفترة – أن ننتج عدة آلافٍ من العلماء.. الذين يقودون صناعاتٍ حديثة، فلن نصبح دولة من العالم الثالث، بل سوف نصبح دولة من العالم الرابع أو الخامس.

ولنعلم أن الساحل الشمالي – الذي يُصرف عليه مليارات، ويستقبل فئة صغيرة جداً.. لفترة قصيرة لا تتعدى شهرين في العام – معرّض للتآكل والتدهور. وفي الوقت نفسه، لم نسمع عن دراسةٍ واحدة.. عن تأثير ارتفاع درجة حرارة العالم والمحيطات والبحار، التي تؤكد مخاطر شديدة على شمال الدلتا وساحل الإسكندرية والساحل الشمالي.. الذي قد يختفي خلال عشرين عاماً.

النقطة الثانية التي تضمن لمصر مستقبلاً، مهما حدث لها في سنواتٍ عجاف، هي أنها تتمتع بطبيعةٍ وتاريخٍ خاص.. يجب العناية بهما والحفاظ عليهما، لأنهما أهم عامل في بقاء مصر، وهما: نهر النيل والأراضي الزراعية، ومدينتا القاهرة والإسكندرية التاريخيتان. مصر لن تصبح مصر، وسوف تفقد تاريخها واسمها.. إذا تم مشروع بيع وسط القاهرة.. لبناء مولات وعمارات أيقونية، أو إذا استمر هدم الآثار والمقابر الإسلامية والأحياء القديمة.. بدعوى التحديث، بل سوف نتحول إلى أهراماتٍ يحيط بها المولات.

هذا الجزء الحضاري.. ليس له ثمن ولا يُقدَر بمال، وتغييره أو هدمه.. هو إنهاء لتاريخ مصر. ما حدث للمقابر الإسلامية.. كارثة محققة، وذلك لبناء كوبري، وكانت هناك طرق هندسية أخرى لبنائه. هذه الكباري لها عمرٌ افتراضي، لكن وسط القاهرة تم إنشاؤه في عصر إسماعيل باشا.. منذ حوالي 170 عاماً وما زال حياً ورائعاً.

هدم باقي المقابر، والتعديلات التي حدثت في مسجدي السيدة زينب والسيدة نفيسة، وإحاطتهما بأسوار، كانت أفكار محدودة الخبرة.. وليست متخصصة في التراث. وأخيراً، تذكروا أن الثقافة مهمة، وأن مهندساً شاطراً لكنه غير مثقف قد تؤدي أعماله إلى كوارث. يتم الآن إلغاء الفلسفة والتاريخ والجغرافيا لبعض الطلاب؛ وهي علوم أساسية.. تجعل الإنسان يفكر ويحسّ ويتذوّق، لا أن يكون آلةً صماء.

إذا أردتم لمصر أن تعيش وتنمو في أجيال أولادنا وأحفادنا، فتوقفوا عن تدمير النيل الجميل الرائع، واتركوا الشعب يمشي بجواره، ولا تجعلوا من المستحيل أن تتمشّى أسرة مصرية على ضفاف النيل، لأنها لا تستطيع دفع تذكرة الممشى. أوقفوا البناء داخل النيل، وتوقفوا عن تدمير كل مباني القاهرة الأثرية الجميلة. هذا سوف يعطي فرصة في ظروف أفضل لأحفادنا، ليجدوا فرصة لبناء مصر حديثة.. محافظة على آثارها، وبها عقول شبابٍ متعلمٍ جيداً، قادر على إحداث وثبة تؤدي إلى تقدم مصر.

قوم يا مصري… مصر دايماً بتناديك.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة