أمينة خيري
اعتقد البعض أن الإسلام السياسي انتهى في 2013. وساد اعتقاد بأن السيطرة على تظاهرات قواعد الإخوان العنيفة.. في جامعة الأزهر وميداني رابعة والنهضة، وعودتهم إلى بيوتهم، وخفوت صوتهم، وتطهير «بعض» مفاصل الدولة من كوادرهم – التي تم غرسها في كل مكان – أمور تعني نهاية الإسلام السياسي.
على مدار السنوات الـ12 الماضية، والسؤال يبقى بلا إجابة: أين ذهب متظاهرو «الشرعية»؟.. طلاب الأزهر والمصريون المؤمنون بفكر الجماعة، وربما من جاملوا أبناء العم من الإخوان، بحكم أنهم أقرب إليهم من المصريين.. ممن لا يؤمنون بفخفخينا خلطة الدين بالسياسة، ومن السلفيين بدرجاتهم، أين ذهبوا بعد فض التظاهرات؟ هل تبخروا في الهواء؟ أم عادوا إلى بيوتهم، ومنهم من تزوج وكوَّن أسرة، وينتظرون اللحظة الفارقة.. لمعاودة الانقضاض على مصر؟ وبينما هم منتظرون. هل هم ساكتون ساكنون خاملون؟ أم أنهم يستثمرون الوقت والجهد فى نشر أفكارهم شفهياً بين الأهل والجيران وزملاء العمل، أو عبر فيديوهات ومحتوى ينضح به أثير السوشيال ميديا؟ وأسئلة أخرى كثيرة «محلية» تلاحقني على مدار السنوات الماضية.
طيلة هذه السنوات، لا أجد إجابة شافية، لكن أجد طيلة الوقت أمارات طاغية. الأَمارات ليست بحثاً علمياً، أو دراسة ميدانية، لكنه ملاحظات تحتاج رصداً، ومن ثم اتخاذ ما يلزم لمن يهمه أمر البلاد والعباد.
الأشهر القليلة الماضية، وتزامناً مع تصاعد مبادرات.. مثل عودة الكتاتيب، وفكرة رياض الأطفال في المساجد، وانتشار فتاوى وأسئلة دينية.. منشورة في مواقع وصحف على شاكلة «ما حكم الصلاة خلف إمام ألدغ؟» و«ما حكم خروج المرأة من بيتها للعمل دون إذن زوجها؟» و«ما حكم الاستماع للموسيقى؟» (لاحظ أننا في عام 2025، وأننا في مصر.. عاصمة القوى الناعمة العربية والشرقية من موسيقى وفنون) وغيرها.
قبل أيام، حضرت فعالية مهمة في الإسكندرية – حضرها ضيوف من جنسيات عربية مختلفة – سألني مندهشاً أحدهم وهو دائم زيارة القاهرة، لكنه يزور الإسكندرية للمرة الأولى: الصورة الذهنية لديَّ عن الإسكندرية.. أنها مدينة كوزموبوليتانية منفتحة، ولكن وجدت مظاهر مختلفة تماماً!
لم يكن انتقاداً. كان سؤالاً. بالطبع تغيرت الإسكندرية كثيراً، وتغيرت مدن مصر وفكرها وثقافتها كثيراً. وهذا يحتاج كتباً ومراجع لشرح الأسباب.
أعود إلى مسألة الإسلام السياسي، وأشير إلى أن ما يعتقده البعض، من أن الغرب يناصب تيارات الإسلام السياسي العداء، أو يخشى منها أو ما شابه؛ صورة ذهنية مغلوطة، مثلها مثل كوزموبوليتانية الإسكندرية. تغيرت الأمور، وأعداء ومصادر الخوف والقلق والعرب الأمس.. صاروا أصدقاء (لحين إشعار آخر). نحن محاطون بـ«أصدقاء» صاروا مقربين لدول.. ترسم معالم النظام العالمي الجديد، والشرق الأوسط في القلب منه.
مناطحة طواحين الهواء عملية خاسرة.. من ألفها إلى يائها، لكن توجيه طاقة الرياح لتخدم مصالحنا، وتقينا شروراً تتم حياكتها بحرفية شديدة.. عملية مضمونة النتائج. وهي لا تمر من مسار الكتاتيب، وترك الشارع للسلفيين.. ولو كان ذلك فيه مسكنات مؤقتة.
نقلاً عن «المصري اليوم»