نبيل عبدالفتاح
أثرت الثورة الرقمية، ووسائل التواصل الاجتماعي، في إحداث بعض من التغيرات في اللغة على الحياة الرقمية من حيث الأساليب، والمجازات، والصفات، وفي تداخل لغة اليومي الفعلية في اللغة الرقمية، بل في صعود اللغة السجالية والهجائية والهجومية والدفاعية.. المحمولة على اليقينيات دونما سند معلوماتي وتاريخي وديني واقتصادي موثق وموضوعي، وإنما لغة حاملة لعنفها في المفردات في عديد المجالات والاهتمامات من الجموع الرقمية الغفيرة.
من ضمن اللغات النوعية الفعلية والرقمية الأكثر شيوعاً بين العوام والمتعلمين الرقميين.. بعض من اللغة الدينية، وأنماطها المستخدمة على الواقع الرقمي، فضلاً عن الواقع الفعلي الدعوي، والإفتائي، والسياسي والتدين الشعبي الوضعي. باتت الحياة الرقمية مجالا للدعوى الدينية، والإفتاء، والنزاعات السجالية، والإفتائية. ثمة تنميط لبعض اللغة الدينية الرقمية والفعلية ، تشير إلى بعض من تنميط للعقل الديني الفعلي والرقمي، وتحمل معها نزعة نقلية وضعية سائدة وماضوية.. مناهضة للتجديد في العقل والفكر الديني السائد.
أولاً: اللغة الدينية بين الواقع الرقمي والفعلي: اللغة الدينية المستمدة من التدين الشعبي الوضعي ويغلب عليها النزعات الأخلاقية، وأحكام القيمة المستمدة من البيئات الشعبية-الزراعية ، أو البدوية، أو هوامش المدن المريفة الفقيرة، ويتم الخلط فيها بين ثقافة البيئة الموروثة والمعاشة، وبين المعايير الدينية والأخلاقية المتداولة مع المرويات حول الدين والمذاهب والأمثلة الشعبية ومقولات كبار السن، والعائلات والعشائر والقبائل، وبعض فتاوى وآراء رجال الدين الرسمي والشعبي في كل قرية أو محافظة ..إلخ، ضمن سرديات الدين، والمذهب – لاسيما في العقود الممتدة منذ هزيمة 1967 وحتى الآن في مصر – ويلاحظ ثمة تغيرات في اللغة الدينية الشعبية، من نمط التدين الشعبي الذي يتوافق مع ضغوط الحياة وقسوتها. والتعبير الديني يتم طقوسياً من خلال الصلاة، والكلام الديني اليومي والدعوات لله بالغفران، للشخص عن الآثام الفردية أو الجماعية، أو استمداد القوة لمواجهة قسوة الحياة وضغوطها، أو الدعاء لتبرير السلوكيات اليومية.. المضادة لأبسط معايير الحلال والحرام، أو في الدعاوى ضد الحاكم أو رجل السلطة الظالم.. من وجهة نظر المتدين الشعبي. ثم تحول بعض التدين الشعبي إلى بعض من التطرف والتراجع النسبي عن التعايش الأهلي والسلام الاجتماعي مع المختلفين دينياً ومذهبياً، إلى لغة ذات
صرامة، وحدة، وعنيفة، والأحكام المطلقة على ما يراه الشخص أو بعض الجماعة.. في القرى والبداوة وهوامش وقلب المدن الريفية، وفي المصالح الحكومية، وفي الطرق تجاه الآخرين المختلفين دينيا، ومذهبياً، أو داخل ذات الدين.
لغة دينية شعبية تتسم ببعض العنف اللغوي والقمعي المعياري، وإفراط في الأحكام القيمية السلبية تجاه ما يراه الشخص مخالفاً لما يعتقده أخلاقياً، وقيميًا.
هذا النمط من اللغة الدينية، بات يمثل جزءاً من الحياة اللغوية الدينية الرقمية، التي تدور حول الإفتاء، أو الهجاء والهجوم على بعض السلوكيات أو الأقوال المتداولة على الحياة الرقمية، أو بعض سلوكيات شخصيات مشهورة في نظام الزي المثير والغريب، أو الأقوال حول حياتهم الشخصية – الزواج الطلاق النزاعات الزوجية – أو آرائهم الدينية أو حجاب بعضهن، ورجوعهن عنه…إلخ.
تمتد هذه النزعة إلى العلمانيين وأشباههم ووصم بعضهم بالمروق، أو الفسق، او الكفر وغالباً ما يكون ذلك ضد بعض الأشخاص ممن يطالبون بحيادية الدولة إزاء الأديان.
ثانياً: اللغة الدينية لرجال الدين: بعض اللغة الدينية لرجال الدين الرسمي، واللارسمي الدعوية تتسم ببعض من الفصاحة، والصرامة، والحسم في خطابهم الإفتائي، أو الدعوي، وفي استخدام ثنائية الحلال والحرام الحادة، ونسيان أو إهمال المساحات التأويلية، من بين حدَّي الثنائية وهوامشها.
بعض رجال الدين قد يهجن لغته الفصيحة.. باللغة العامية، لإيصال آرائه وفتاواه إلى قطاعات شعبية أوسع من لغة بعض المتعلمين، إلا أن الملاحظ أن اللغة الفقهية الاصطلاحية تبدو صعبة على إفهام عديدين، نظرا لتراجع مستويات تعلم وإجادة اللغة العربية.
بعض اللغة الدينية لبعضهم لا تقتصر على التحريم وإنما تمتد إلى نقيض ما يحرمه بعضهم، وإضفاء صفة الحلال عليه، في تأويلات لهم، بعضها مستمد من المدارس الفقهية، لكنه مجهول لدى غالب العامة والنخب، وذلك ليبدو من خلال رفض الآراء الشائعة لدى الغلاة، إلى أنه رجل دين عصري يشرعن ما يحرمه المتشددون والمتطرفون. بعض هؤلاء يرمي أيضا إلى تحقيق شهرة وذيوع رقمي.
ثالثاً: اللغة الدينية الدعوية الهادئة والناعمة: هذا النمط من اللغة الدينية، يميل إلى استخدام لغة هادئة، وسلسة، وبسيطة ، تميل إلى إشاعة القيم العقائدية والأخلاقية، وسط الأجيال الشابة، وتحاول أن تبتعد قليلاً عن لغة ثنائية الحلال والحرام، وتميل إلى إشاعة القيم الأخلاقية الإيجابية حول وحدانية الله، وحول القيم التي وردت في النص المقدس تعالى وتنزه، ومن بعض السرديات التاريخية حول السنة النبوية المشرفة، والابتعاد عن مفهوم التكفير، والدعوة إلى قيم الحب، والصداقة ، والسلام والخير، والابتعاد عن الشر، وإلى الصلاة، والتطهر والبُعد عن الآثام، وإلى الأخوة الدينية – وبعضهم إلى الأخوة الإنسانية – والبُعد عن المذهبية، أو إلى مذهبية منفتحة على الآخر المذهبي، أو الديني، والدعوة إلي، العمل الصالح. هذا الاتجاه لا يزال محدوداً لدى بعض رجال الدين الرسميين، أو اللا رسميين.
بعض هذه اللغة استخدمها بعض رجال الدين الجدد تحت تأثير بعض الاتجاه الكاريزماتي الإنجيلي الأمريكي، وكتابات العلاقات العامة والتنمية البشرية، وجذب بعض أبناء الفئات الوسطى-الوسطى والعليا في المنطقة. إلا أن بعض سلوكيات الدعاة الجدد الشخصية.. أدت إلى تراجع تأثيرهم الدعوى والاجتماعي. .
نقلاً عن «الأهرام»