زاهي حواس
يبدو أننا نقترب من الكشف عن أسرار جديدة عجيبة، يبوح بها هرم الملك خوفو.. بعد مرور حوالي 4500 سنة على بنائه، والذي يُعتبر إلى يومنا هذا، وبمقاييس تقدمنا العلمي والمعماري، أعظم عمل إنشائي من صنع الإنسان في العالم القديم.
وبالتأكيد، ليست هذه مجرد كلمات جوفاء.. تُردد من قبيل الفخر القومي؛ بانتسابنا إلى تلك الحضارة الإنسانية العظيمة، وإلى أجدادنا الفراعنة العظام. لكن الأمر الحقيقي – الذي يشهد به كل البشر في كل مكان – أن هرم الملك خوفو الراسخ على هضبة الجيزة، هو المعجزة الوحيدة الباقية من معجزات العالم القديم السبع، ولذلك تواردت المقولة الشهيرة فارسية الأصل: «كل شيء يخاف الدهر، بينما الدهر يخاف الأهرام».
ومنذ بداية ما يُعرف الآن بعلم المصريات – الذي لا يتجاوز من العمر قرنين من الزمان – حاول العديد من الباحثين.. باستخدام أحدث الأجهزة والتقنيات، كل في عصره وزمانه، معرفة أسرار هرم الملك خوفو. وقد أضافت أبحاثهم كماً لا بأس به من المعلومات، لكن ظل السؤال في كل مرة هو: هل هذا هو كل شيء؟ والإجابة دائماً ما تكون بالنفي القاطع، لسبب بسيط.. هو أننا – كعلماء آثار – في كل مرة نقوم فيها بالكشف عن شيء داخل الهرم، تنفتح أمامنا عوالم جديدة مليئة بالأسئلة والأسرار!
لقد قامت بعثة فرنسية بعمل ثقب.. على جانب النفق الذي يؤدي إلى الحجرة الثانية – المعروفة خطأ بـ«حجرة الملكة» – وخرج من الثقب رمال! بعدها نشروا في كل مكان بالعالم أن هناك أسراراً دفينة أسفل هذا الحائط. وقبل ذلك جاءت بعثة جامعة ستانفورد.. ومعهم أحدث الأجهزة العلمية في ذاك الوقت، وقالوا إن هناك غرفاً سرية داخل الهرم، لكنهم لم يتوصلوا إلى تلك الغرف.. رغم اليقين بوجودها. وبعد ذلك جاء عالم المصريات الياباني ساكوجي يوشيمورا ومعه فريق علمي محترم، وقاموا بعمل قياسات في الناحية الجنوبية من الهرم، وقالوا بوجود نفق كبير في تلك الناحية من الهرم.
ومن الغريب، أن الفريق الفرنسي – بعد أن أعلن عن وجود الرمال – قام بعمل إعلان كبير عند حافة هضبة الجيزة يقول: «إحنا اللي خرمنا الهرم!». كما أننا ابتلينا بعيداً عن الأبحاث العلمية بمغامر فرنسي.. لا يتبع أي مؤسسة علمية، وحصل للأسف على تصريح من اللجنة الدائمة للحفر أمام مدخل الحجرة السفلية داخل هرم خوفو، ولم يعثر على شيء، وكان يعتقد أن مزامير داوود موجودة أسفل مدخل هذه الحجرة!
… نفس الموضوع أعلن عنه مغامر أمريكي، كان يعتقد أنني – بحكم منصبي في ذلك الوقت كمدير عام لآثار الجيزة – الذي أوافق أو أرفض أي عمل في منطقة الأهرامات! وتسبب في العديد من المشاكل، في الوقت الذي كانت هناك مشاكل حول ترميم تمثال أبوالهول.
وعندما سقط حجر من كتف أبوالهول الأيمن.. نتيجة عوامل التعرية والأمطار، نشر العديد من مروجي الشائعات.. أننا أسقطنا هذا الحجر عمداً، لكي نزيح رئيس هيئة الآثار من منصبه. وفي نفس الوقت، اعتدى حارس آثار أبوالهول – وهو من نزلة السمان، على أحد مفتشي الآثار – لذلك قمنا بنقله من الجيزة إلى الواحات البحرية. واستغل المغامر الأمريكي كل هذه الأحداث، وعن طريق أحد لصوص الآثار، قام بتسجيل فيديو مع حارس الآثار.. قال فيه: إننا قمنا بتدبير هذا الموضوع، وقامت الشرطة والنيابة العامة بالتحقيق، واتضحت في النهاية الحقيقة كاملة، وأن أحداً لم يتدخل في سقوط حجر من كتف أبوالهول.
وإلى يومنا هذا، لا يزال هناك العديد من الجهلة، وأصحاب المآرب الأخرى، الذين يروجون أن الهرم قد بناه قوم من الفضاء، أو سكان القارة المفقودة! كان ذلك واضحاً خلال لقائي مع جو روجان، فدافعت عن الهرم وعن الفراعنة، وبالقدر الذي يتناسب مع من لم يقرأ كتاباً واحداً في حياته عن الآثار! وكل معلوماته سماعية ومن مصدر واحد، وهو صديقه المروج لقصص «القادمون من الفضاء، والنجميون بناة الأهرامات».
بعد لقاء جو روجان، خرجت نفس السيدة التي لم تكتب مقالاً علمياً واحداً عن الآثار المصرية، ولم تعمل في حفائر علمية من قبل، ولا تعرف حرفاً واحداً من اللغة المصرية القديمة، لتقول إنني يجب عليَّ أن أترك المجال لها ولغيرها، للحديث والدفاع عن آثار مصر!!، وهنا يكون السؤال: هل أنا منعت أي شخص من الدفاع عن الحضارة أمام وسائل الإعلام؟! هل أملك التصريح بالظهور والمنع إعلامياً لأي كائن من كان؟! إن المجال مفتوح لكل من يستطيع أن يدافع عن الحضارة المصرية، التي – بالمناسبة – لا تحتاج إلى مدافعين، وإنما إلى علماء حقيقيين يعملون ويبحثون وينشرون أعمالهم، وليس من يجاهدون على صفحات التواصل الاجتماعي.. ليلاً نهاراً، بحثاً عن «التريند».
أتمنى أن يكون هناك مئات – بل آلاف – من الأثريين المصريين الأكفاء، يبحثون ويعملون بجد.. للكشف عن عظمة الحضارة المصرية.
هذا هو السبيل الوحيد للتصدي لكل من يحاول أن يسلبنا أعز ما نملك.. تراثنا الحضاري المصري!.
نقلاً عن «المصري اليوم«