عبدالقادر شهيب
لعل ترامب يعتمد على صهره.. فيما يتعلق بصياغة أفكاره ورؤاها عن الشرق الأوسط.. بدرجة كبيرة. رغم أن ترامب لم يعين صهره كوشنر مستشاراً له – كما فعل في فترته الرئاسية الأولى – إلا أنه لم يتوقف عن استشارته حتى الآن؛ خاصة فيما يتعلق بأمور وقضايا ومشاكل الشرق الأوسط، وفي القلب منها القضية الفلسطينية. بل لعل ترامب يعتمد على صهره فيما يتعلق بصياغة أفكاره ورؤاه، فيما يتعلق بالشرق الأوسط بدرجة كبيرة، حتى أضحى كوشنر هو الذي يقود ترامب.. فيما يتعلق بأمور ومستقبل منطقتنا، لأن الرئيس الأمريكي يستمع وينصت إليه، ويسلم بأفكاره ورؤاه وخططه.. التي يعدها لنا منذ سنوات عدة مضت!
وقد بدا ذلك جلياً في الاجتماع – الذي عقده ترامب مؤخراً في مكتبه البيضاوي بالبيت الأبيض – وحضره كوشنر مع بلير.. لمناقشة خطة لمستقبل قطاع غزة؛ التي أعدها كوشنر بالاشتراك مع مركز أبحاث بلير.. كما كشفت ذلك صحيفة الواشنطن بوست، وتقضي بفرض الوصاية الأمريكية على القطاع لنحو عشر سنوات، يتم خلالها بناء ريفيرا الشرق.. التي سبق أن تحدث عنها ترامب قبل أشهر مضت، بعد تهجير أكبر عدد من أهل غزة خارجها.. بإغرائهم بالمال، بينما تتولى قوات الاحتلال الإسرائيلي مهام الأمن في القطاع خلال هذه السنوات. وبذلك تستولي أمريكا على قطاع غزة مجاناً.
إن إعادة بناء القطاع لتحويله – كما يقول كوشنر – إلى لاس فيجاس الشرق، سيتم تمويله من خلال صندوق خاص.. الدول الخليجية هي المساهم الأساسي فيه، وإسرائيل سوف تتولى فرض الأمن، وبذلك تتحقق رغبة نتانياهو ببقاء قوات الاحتلال الإسرائيلي في القطاع، ولا تنسحب منه لفترة طويلة، بينما تحسب أمريكا العائد من ريفيرا الشرق؛ التي يستهدف مشروع كوشنر بلير تحويلها إلى مركز للتجارة بين الشرق والغرب، بديلاً لطريق الحرير الصيني.. الذي تقاومه أمريكا بقوة!
… هذا لا يُعد أمراً غريباً وجديداً الآن؛ فإن كوشنر هو صاحب مشروع القرن – الذي طرحه ترامب لتصفية القضية الفلسطينية وإجهاض إقامة دولة فلسطينية – وقد قام الرجل بزيارات وجولات عربية وإسرائيلية.. للترويج لهذا المشروع والدعوة له، وإغراء الدول العربية الخليجية به. وقد أثمرت جولاته الترويجية في تطبيع علاقات عدد من دول الخليج مع إسرائيل.
وها هو هو كوشنر يستغل حرب الإبادة الجماعية، والتجويع الممنهج في غزة.. للمضي قدماً في تنفيذ مشروعه، الذي أقنع به حماه ترامب.. لدرجة أنه صار متحمساً له.
وهذا يفسر لنا الكثير من الأمور؛ مثل الدعم اللامحدود من إدارة ترامب لإسرائيل.. في حربها الوحشية ضد أهل غزة، والرفض والمذلة في وقف هذه الحرب، والسعي الأمريكي لإقناع عدد من الدول العربية والإفريقية لاستقبال أهل غزة وتوطينهم لديها، وأخيراً موافقة ترامب على خطة نتنياهو للسيطرة على مدينة غزة، واحتلال باقي القطاع، والدفع بأهلها إلى الجنوب.. بالقرب من الحدود المصرية.
وبهذا المعنى، فإن المخطط والمنظر للسياسة الأمريكية في منطقتنا الآن.. هو كوشنر زوج ابنة ترامب. أما إشراك بلير في خطة الوصاية الأمريكية على قطاع غزة، فهو أمر فرضته التحولات في مواقف العديد من الدول الأوروبية تجاه الفلسطينيين، وحقهم المشروع في دولة مستقلة ذات سيادة، وخاصة موقف الدول الوازنة في أوروبا؛ فرنسا وألمانيا وإسبانيا. وهذا أمر مفهوم، وإن كان غريباً على دولة عظمى.. لها مؤسساتها العميقة، ومراكز أبحاثها لتوجه وترشد الرؤساء، وتقدم لهم المشورة وتضع أمامهم البدائل المختلفة.
… مفهوم، لأن كوشنر قريب من ترامب، ويملك أذنه، ويبدو أنه بات يملك عقله أيضاً. وغريب، لأن الرؤساء – الذين توالوا على أمريكا – كانوا لا يعتمدون في قراراتهم على أسرهم، وإنما على مستشاريهم ومساعديهم. ولكن يبدو أن هذا قدرنا مع سيد البيت الأبيض الآن.. حتى يحين موعد رحيله عن البيت الأبيض!
نقلاً عن «أخبار اليوم»