Times of Egypt

مصطفى زيور الرائد الفذ

M.Adam
أحمد الجمال

أحمد الجمال

شاء قدري الذي أظنه طيباً، بحكم المحصلة التي أراها إيجابية، أن أنتقل من دراسة الحقوق في جامعة القاهرة إلى دراسة التاريخ في آداب عين شمس، وأن أنخرط في العمل الطلابي، رئيساً لاتحاد طلاب الكلية، وممثلاً للدراسات العليا في اتحاد طلاب الجامعة، وأميناً للجمعية التاريخية التي كوَّنها بعض أساتذتي في القسم مع بعض الطلاب، ثم أن أنضم لتنظيم طليعة الاشتراكيين الذي كان يقوده جمال عبد الناصر.

وشاء حظي الطيب أيضاً أن أقترب من أساتذتي في قسم التاريخ، وأعاصر رموزاً علمية بارزة في تخصصات التاريخ القديم؛ مثل الدكاترة عبد العزيز صالح وجمال مختار ومحمد بكير وسيد أحمد الناصري، وفي تاريخ العصور الوسطى الأوروبية والاسلامية مثل محمد عبد الهادي شعيرة وعبد المنعم ماجد وحسن حبشي وإسحق عبيد، ثم في التاريخ الحديث والمعاصر مثل زينب عصمت راشد وأحمد عبد الرحيم مصطفى وعبد العزيز نوار وجمال زكريا قاسم ويونان لبيب رزق وجاد طه، ثم تُوج كل ذلك بأن أقترب من شيخ مؤرخي مصر الحديثة والمعاصرة أحمد عزت عبد الكريم.. أقرأ له رسائل الدكتوراه التي يشرف عليها قبل مناقشتها، وأقرأ له بريده اليومي، ويأمر لي بالقهوة في منزله بمنشية البكري، حيث كان يجاوره أخواه.. الفريق محمد علي عبد الكريم واللواء سعد زغلول عبد الكريم.

ولم يقتصر الأمر على هؤلاء، بل امتد لأكون قريباً من أساتذة في أقسام الجغرافيا والاجتماع وعلم النفس والفلسفة واللغات الشرقية. وشاء قدري أن أجلس أمام عملاق علم النفس الأستاذ الدكتور مصطفى رضوان زيور، وهو موضوع هذا المقال – بمناسبة ذكرى مولده وذكرى وفاته – إذ وُلد في سبتمبر 1907 وتوفي في سبتمبر 1990، ومن أسف أنه، مثل كثيرين علماء رواد أفذاذ علمياً وأخلاقياً ووطنياً وإنسانياً، لم تُسلَّط عليهم الأضواء الساطعة، خاصة بعد رحيلهم، ولم ينالوا من المكانة في عالم الإعلام والصحافة، وأيضاً المحافل التي يفترض أنها علمية وفكرية، ما ناله نكرات وأنصاف متعلمين وعديمو موهبة.

ولقد كتبت – وما زلت أبحث عن تفسير علمي في مجال علم النفس – يفسر مسلك المصابين بالمتلازمة المرضية التي تدفعهم دفعاً مشبوهاً.. لتكرار إنتاج الهجوم على حقبة من حقب تاريخ مصر المعاصر، والسعي لاغتيال مستمر لشخصية جمال عبد الناصر، ووجدت بعض بغيتي في موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، التي أشرف على تأليفها وشارك في معظم موادها أستاذي وصديقي الدكتور فرج عبد القادر طه، وأهداني نسخة منها، وكتب إهداءاً أعتز به.

وُلد الدكتور مصطفى زيور في أول سبتمبر 1907، وحصل على الليسانس في الفلسفة من كلية الآداب مع أول دفعة تتخرج في الجامعة المصرية عام 1929، ثم سافر لفرنسا حيث حصل عام 1930 من جامعة السوربون.. على شهادة الفلسفة العامة والمنطق، وعلى شهادة العلوم الطبية والكيميائية والبيولوجية عام 1938، وعلى دبلوم الدراسات العليا في علم النفس التجريبي عام 1939، ثم حصل على درجة الدكتوراه في الطب من جامعة ليون، وكان تحوله إلى الدراسة العلمية في الطب.. من أجل أن يتيح له ذلك دراسة التحليل النفسي والتخصصي فيه – كما كان يشترط كثير من معاهد التحليل النفسي آنذاك – ثم حصل الدكتور زيور على دبلوم التحليل النفسي، وزمالة جمعية باريس، وزمالة الاتحاد الدولي في ذلك المجال، وكان أول مصري وأول عربي يحصل على تلك الزمالة، وواصل مسيرته العلمية والتعليمية لطلاب الطب والعلاجية للمرضى والبحثية.. إلى أن وصل إلى منصب رئيس عيادة الأمراض النفسية بكلية الطب بجامعة باريس، قبل عودته للقاهرة للعمل بالجامعة المصرية أوائل الأربعينيات من القرن العشرين.

ثم إن ما جعل الدكتور زيور متميزاً بين العلماء الأجلاء – حسبما كتب الدكتور فرج طه في موسوعة علم النفس – هو التكوين الأكاديمي المتفرد، والإمعان في الموسوعية والشمول، والتعدد في التخصص، ثم إنه ضارب بجذور بعيدة الغور في جوانب الفكر الإنساني.

ويستمر الدكتور فرج عبد القادر طه في الكتابة عن أستاذه.. راصداً جوانب مسيرته في الجامعات الثلاث «فؤاد الأول وفاروق الأول وإبراهيم» – التي أصبحت «جامعات القاهرة والإسكندرية وعين شمس» – ثم اختيار الدكتور طه حسين للدكتور مصطفى زيور عام 1950 لينشئ ويرأس قسم علم النفس بجامعة عين شمس، التى كان اسمها آنذاك جامعة إبراهيم، وتم تأسيس القسم.. مشتركاً مع قسم الاجتماع في السنتين الأوليين، ثم يستقل عنه في السنتين الأخيرتين، ووضع زيور برامج القسم واختار الأساتذة ليصبح القسم قسماً لعلم النفس.. بمختلف تياراته، يتكامل فيه تيار التحليل النفسي مع تيار التجريب، مع تيار القياس مع التيار الإكلينيكي مع تيار علم النفس الاجتماعي؛ ليعد كل ذلك أخصائياً نفسياً شامل النظرة للظاهرة النفسية، دونما تعصب لزاوية نظرة معينة.

ونقرأ أن الدكتور زيور استعان – للتدريس في القسم – بزملاء وتلاميذ له من مختلف التيارات؛ كان منهم يوسف مراد والسيد محمد خيري وأحمد وجدي ولويس كامل مليكة ومصطفى صفوان وسامي محمود علي وأحمد فائق وأحمد عكاشة وسيد عبد الحميد مرسي وعبد المنعم المليجي.

وكم وددت أن أستكمل الاقتباس من مادة مصطفى زيور – في موسوعة علم النفس والتحليل النفسي – التي كتبها تلميذه فرج عبد القادر طه، رحمة الله عليه، وعلى من رحل من أولئك الأفذاذ، غير أن المساحة لا تتسع.

ويبقى أن أشير إلى ما اعتبرته تفسيراً علمياً نفسياً لسلوك وتفكير زمرة المصابين بالمتلازمة إياها، وهذا حديث آخر، رحم الله العلامة مصطفى رضوان زيور.. في ذكراه الخامسة والثلاثين.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة