Times of Egypt

المواطنة الرسالة (1-2)

M.Adam
سمير مرقص 

سمير مرقص
(1)
»مواطنتى رسالتى«
أستأذن القارئ الكريم.. أن أواصل حديثي حول بعض جوانب من تجربتي الحياتية.. في إطار محاولتي
كتابة سيرتي الذاتية: «أكثر من عمر»؛ التي شرعت فيها منذ بلغت الستين قبل ستة أعوام، وأحرص ،
عزيزي القارئ، على مشاركتك جانباً منها مع حلول ذكرى ميلادي في شهر سبتمبر من كل عام.
في الأسبوع الماضي كتبت مقالاً بعنوان: «مكتبتي حياتي»، حاولت فيه أن أعكس مدى العلاقة الحميمية..
التي توثقت بيني وبين مكتبتي، حتى صارت مرآة حياتي، و«أناي» وذاتي. واليوم أحدثكم عن جانب آخر
من جوانب العمر. أتحدث عن «المواطنة» وكيف صارت رسالة بالنسبة لي، فإذا كانت المكتبة تعكس
عملية التشكل الذاتي – من خلال التراكم المعرفي المستدام الذي صاغ وعيي ورؤيتي للآخر والمجتمع
والعالم – فإن المواطنة هي ذروة ودرة هذا التشكل.. أو المبدأ الفكري الحاكم لمسيرتي من جهة أولى،
والمحدد للرؤية من جهة ثانية، والموجِّه للفعل من جهة ثالثة.
نعم بدأت علاقتي بالمواطنة في البداية.. كموضوع للدرس، وكإطار حاكم لرؤيتي للتاريخ والسياسة،
والعلاقات المسيحية الإسلامية. ولكن – ومع مرور الوقت وتقدم العمر وارتقاء الوعي – توحدت مع
المواطنة.. فكرة، ومبدأ، وفعلاً، وممارسة. ومن ثم لم تعد المواطنة مجرد حقل معرفي، يتم ارتياده –
ارتياداً وظيفياً – لزوم البحث والكتابة، بل غدت رسالة حاكمة في شتى مسارات عمري – تلك المسارات
التي جعلت من العمر.. أكثر من عمر، ومرجعية عليا للفكر والحياة. وربما يكون السؤال كيف حدث هذا
التوحد؟… (يمكن إعادة قراءة مقالاتي المعنونة «أكثر من عمر» في 2019: الستون: أكثر من عمر في
11/9، والقرية العادلة في 18/9؛ وفي 2024: في معنى وجدوى الزمن في 11/9، وتحرير وتحقيق
الذات في 18 و25/9، كذلك مقالي: أمي: الشيء المهم الذي لم أقله له! في 20/3/2018، ومئوية طبيب
إنسان في 31/5/2023).

(2)

«مفهوم المواطنة: رؤية أكثر اتساعاً»
في مطلع السبعينيات، اندلعت شرارة التوتر الديني التي اتسمت بالعنف، فلم تستهدف الآخر الديني وحده،
بل امتدت إلى المختلف عموماً: الدولة ومؤسساتها، والمثقفون والمبدعون. وفي ذات الوقت، اعتمدت
جماعات العنف الديني خطاباً يعيد النظر في الوضع القانوني.. للمغايرين دينياً، وأخذت تروج له بشكل أو
آخر. في ضوء تداعيات حقبة التوتر الديني تلك، سعت القوى الوطنية – على اختلاف اتجاهاتها – إلى
تجاوز تلك الحقبة. كما انكب كثير من المفكرين على دراسة الأسباب التي أدت إلى التوتر الديني، وكيف
أعاق مسار المواطنة البازغة – لكل المصريين – في الدولة الحديثة.
في هذا المقام، لا بد من الإشارة إلى الاجتهادين الكبيرين – المبكرين والتأسيسيين – لكل من الدكتور وليم
سليمان قلادة (1924-1999)، والمستشار طارق البشري (1933-2021) حول «مبدأ المواطنة»؛ حيث
خصص «قلادة» له فصلاً في كتابه «الحوار بين الأديان» ــ 1979، كذلك «البشري» في كتابه
«المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية» ــ 1980. في هذا السياق، ارتبطت المواطنة في الوعي
الفكري والسياسي المصري بالمسألة الدينية في مصر.. وتحديداً مواطنيه الأقباط.
ظلت هذه المقاربة حاكمة – إلى حد كبير – فهمي للمواطنة حتى مطلع التسعينيات، عندما وقع في يدي
كتاب «الطبقة، المواطنة والتنمية الاجتماعية» – الصادر بعد الحرب العالمية الثانية لعالم الاجتماع
البريطاني ت. هـ. مارشال (1893 ــ 1981) – الذي ساهم في توسيع زاوية رؤيتي للمواطنة ومن ثم
اختلفت مقاربتي لها.. فلم تعد المواطنة تعني حصراً ـ كما لا يزال شائعاً – العلاقة بين الأغيار دينياً فقط.
فلا مواطنة لفئة ما.. لم يحظ الجميع بحقوق المواطنة بنفس القدر. كذلك فتح مارشال أفقاً معرفياً مبدعاً..
يتعلق بالكيفية التي تتشكل بها المواطنة وحقوقها. إذ إنها ليست نصاً يصاغ، أو قراراً يتخذ، وإنما يرتبط
تحقيقها بدرجة التطور الاقتصادي/الاجتماعي، وبهيكل الدولة، وبنمط الإنتاج السائد، وبالبناء الطبقي،
وبالعملية الديمقراطية بتفصيلاتها، وبالسياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية… إلخ.
(3)
«رسالة المواطنة»
نتج عن اتساع الرؤية حيال المواطنة.. إدراك أنها عملية مركبة؛ تتقاطع مع حركة الإنسان اليومية في
شتى المساحات الحياتية والمجالات النوعية. ما ولّد إدراكاً بحتمية التوعية والتبشير بالمواطنة من ناحية،
والنضال من أجل تأمينها وتوفيرها لجميع المواطنين – على اختلافهم – من ناحية أخرى. وحتى يتحقق ما
سبق، لا بد من تصويب نظرتنا للمواطنة.. من كونها مفهوماً مضافاً إلى قاموسنا الفكري، ونصاً

موضوعاً في وثائقنا الدستورية والقانونية، وحديثاً مترفاً.. نملأ به الفضاءات السياسية والمدنية، إلى قيمة
جديرة أن تتأصل في وجدان وعقل المصريين. وأن تصبح مبدأً أصيلاً في منظومتهم الفكرية، وفعلاً حياً
مستداماً في ممارساتهم اليومية.. في شتى مناحي الحياة، وفاعلاً ومؤثراً في دوائر حركتهم.
هكذا تتحول المواطنة من مجرد فضول علمي وهم سياسي، إلى ضرورة حياتية ووجودية «للمواطنين-
الأوطان»؛ وبناءً عليه صارت المواطنة مسؤولية تاريخية والتزاماً وطنياً، ورسالة من أجل تحقيق
الخير/الصالح العام، والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية. وهو ما تطلب المأسسة.. التي نفصل بعضاً
من محطاتها في مقالنا القادم.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة