زياد بهاء الدين
عبَّرت الأسبوع الماضي عن اعتقادي بأن في مصر اليوم.. اتفاقاً عاماً على العناصر الرئيسية، التي تشكل برنامجاً للإصلاح الاقتصادي الوطني.
وذكرت أن على رأسها.. تحديد دور الدولة في النشاط الاقتصادي، واحترام العقود التي تبرمها الجهات العامة، والأخذ بمبدأ وحدة الموازنة، وتشجيع الاستثمار الخاص، وتحصيل الضريبة على الأنشطة المتهربة، وزيادة الإنفاق على التعليم والصحة.. وتحسين إدارته، وتدعيم شبكات الحماية الاجتماعية، واستبدال سياسة الاعتماد على بيع الأراضي، بسياسات زيادة الإنتاج والتشغيل والتصدير والتنمية. ونظراً لأن ما سبق يمثل – في تقديري – توافقاً وطنياً.. ليس محل خلاف كبير، فإن السؤال الذي توقفت عنده؛ لم يكن «ما هو برنامج الإصلاح الاقتصادي؟» بل «ما الذي يعوق الأخذ به وتنفيذه؟»
وانتهيت إلى أن العقبة ليست نقص الأفكار ولا البرامج والسياسات، بل غياب الإطار السياسي لتطبيق هذا البرنامج الوطني. فما هو الإطار السياسي المنشود؟ لن أكرر هنا.. عناصر الإصلاح السياسي المعروفة – التي كررتها أصوات مستقلة طوال السنوات الماضية – ليس لاختلافي معها، وإنما لأن موضوعي هو الإصلاح الاقتصادي.. وما يعوق تنفيذه.
ومدخلي هو أن تطبيق سياسيات اقتصادية سليمة وتنموية ورشيدة.. ليس ممكناً – مهما كان هناك مسؤولون أكفاء ومخلصون ومجتهدون – في غياب إطار سياسي ومؤسسي، يضمن الشراكة في تحديد الأهداف والأولويات، والشراكة في اختيار الأدوات التنفيذية، والشراكة في المتابعة والتقييم والتصحيح. وهذا قابل للترجمة إلى مجموعة محددة من الإصلاحات:
- تفعيل الجهاز الإداري المدني للدولة.. بكل ما فيه من خبرات وآليات تنفيذية، مع إصلاحه وتطويره، ودعمه بالدماء الجديدة والإمكانات الحديثة؛ فمهما بلغت كفاءة الأجهزة وسرعتها في التنفيذ، فإن هذا لا يغني عن قيام الوزارات والمصالح والهيئات بدورها.. في رسم السياسات وفي تطبيقها.
- الأخذ بمبدأ شفافية وإتاحة المعلومات. ليس المعلومات الاقتصادية الكلية فقط، بل أيضاً ما يتعلق بالمشروعات الاقتصادية، والبرامج والسياسات الجاري تطبيقها، الدراسات التي استندت إليها، والجهات المالكة لها أو المستفيدة منها، ومصادر تمويلها، والمزايا التي تتمتع بها، والعائد المتوقع منها، ثم العائد الذي يتحقق بالفعل.
- إطلاق آليات متابعة وتقييم السياسات الاقتصادية؛ التي يفترض أن يمارسها إعلام حر وبرلمان منتخب وأحزاب سياسية مستقلة. وهذا يعني إتاحة حرية التعبير إعلامياً وإلكترونياً، وتعديل قوانين الانتخابات البرلمانية.. بعيداً عن نظام القائمة المطلقة، الذي حرم المجتمع من الرقابة البرلمانية الفعالة، كما يعني إطلاق حرية إنشاء الأحزاب، وممارستها لأنشطتها غير المخالفة للدستور، دون أن يتوقف ذلك على موافقة أو مباركة الدولة.
- فتح قنوات التعاون بين أجهزة الدولة الاقتصادية، وبين المؤسسات الأهلية.. بشكل مستمر، وليس للمناسبات الإعلامية فقط. وهذا لا يقتصر على الجمعيات الممثلة لمجتمع الأعمال والمستثمرين، وإنما أيضاً المعبرة عن باقي المصالح في البلد، بما فيها النقابات المهنية، والجمعيات الأهلية المهتمة بشؤون البيئة، وحقوق المستهلكين، والارتفاع بجودة الإنتاج والتصدير.. وغيرها.
- اعتبار تعزيز إصلاح منظومة التقاضي.. الأولوية التي تسبق كل موضوع آخر، بما في ذلك تعديل القوانين الإجرائية، والأخذ بتكنولوجيا المعلومات الحديثة، والاستثمار في تدريب كل القائمين على إدارة العدالة، وبث روح احترام الدستور والقانون والعقود، والأوضاع القانونية المستقرة في المجتمع.
… الحديث عن الإصلاح السياسي أكبر مما سبق. ولكني اقتصرت هنا على ما أتصور أنه ضروري.. لتسريع وتيرة الإصلاح الاقتصادي، وإطلاق الطاقات الكامنة والفرص المتاحة، وربما فهم أسباب ما يعرقل تنفيذ برنامج وطني.. للنهوض باقتصادنا القومي. أما الإصلاح السياسي الأشمل.. فله حديث مختلف.
نقلاً عن «المصري اليوم»