عمرو الشوبكي
باتت فرنسا مهدَّدة – مرة أخرى – بسحب الثقة من الحكومة الحالية، وباتت أيضاً مهددة باحتجاجات واسعة.. تطالب برحيل الجميع الحكومة والرئيس، ومعهما القرارات الاقتصادية المزمع اتخاذها.
وقد تضمَّنت الخطة التقشفية لرئيس الحكومة يمين الوسط الفرنسية فرانسوا بيرو، التي تتضمن تخفيض الإنفاق بنحو 44 مليار يورو، وإلغاء عطلتين رسميتين، بعد أن بلغ عجز الموازنة في فرنسا 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي؛ وهو ما يتجاوز بكثير هدف الاتحاد الأوروبي الرسمي البالغ 3%.
وسواء حُجِبت الثقة – كما هو متوقع – من رئيس الحكومة أم لا في جلسة الأسبوع المقبل، فإن هذا لن يلغي المظاهرات.. التي رتَّب لها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي؛ أغلبهم من خارج الأحزاب. وستكرر الصورة الاحتجاجية، التي عرفتها فرنسا أثناء مظاهرات السترات الصفراء.. منذ أكثر من 5 سنوات.
ومعروف أن فرنسا.. من أكثر بلاد العالم التي شهدت احتجاجات مختلفة الأشكال والتوجهات، وتعايشت معها. ولكن هي من المرات النادرة، التي عرفت احتجاجات في الشارع.. من خارج الأحزاب، وفي نفس الوقت تحركات في البرلمان.. من داخل الأحزاب، لسحب الثقة من الحكومة، وإن أمكن.. عزل الرئيس أيضاً.
فقد شهدت فرنسا احتجاجات ثورية ويسارية في 1968.. ضد الجنرال ديجول، سُميت بثورة الطلاب، نجحت في إصلاح بعض جوانب النظام القائم، ولكنها لم تُسقط «الجنرال».. الذي استقال بعدها بعام، عقب استفتاء لم يقتنع بنتائجه.
كما شهدت فرنسا أيضاً احتجاجات.. ضد قرار الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران عام 1986، بتوحيد نظام التعليم، ووضع قيود على التعليم الخاص. سرعان ما تراجع عنه، عقب هذه الاحتجاجات. وكذلك عرفت فرنسا احتجاجات ضد الرئيس الراحل جاك شيراك.. في منتصف التسعينيات، وأخيراً ضد الرئيس ساركوزي.. منذ نحو عقدين، ونجح الرؤساء السابقون في استيعابها.
وقد تحرَّك رئيس الحكومة الحالية بشكل سياسي – دون أن يتخلى عن جوهر خطته الإصلاحية، حتى لو عدَّل فيها بعض الأمور الطفيفة – فقد بدأ أولاً في مخاطبة الرأي العام.. من أجل الضغط على نوابه بعدم حجب الثقة؛ بالقول إن بديله هو «الفوضى» المالية. كما سعى ثانياً.. إلى استمالة النقابات؛ خاصةً نقابة (CFDT).. ذات التوجه الاجتماعي الديمقراطي، وهي تختلف مع النقابات اليسارية ذات الطابع الشيوعي، وقال إنه يريد إسناد إدارة الحماية الاجتماعية.. إلى الشركاء الاجتماعيين – أي النقابات – في محاولة منه لكي يدفع النقابات بالضغط على الأحزاب الموجودة في البرلمان؛ خاصةً الحزب الاشتراكي.. من أجل إحباط محاولة حجب الثقة عن حكومته. وأخيراً يحاول إقناع النواب بأن التصويت على إعطاء الثقة لحكومته، لا يعني الموافقة الكاملة.. على برنامجها، أو دعمها.
إن حجب الثقة عن حكومة فرانسوا بيرو – وفي نفس الوقت، تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية في فرنسا – يقول إن البلاد مقبلةً على مشهد سياسي جديد.. لم تعرفه من قبل.
نقلاً عن «المصري اليوم»