محمد أبوالغار
صحفي وكاتب ومؤلف مسرحيات وأزجال وأشعار وكاتب سيناريو، ترك بصمة عظيمة على الثقافة المصرية وتاريخ المسرح المصري في النصف الأول من القرن العشرين. ولا يعرف معظم المصريين.. أن كثيراً من الأغاني الخالدة التي يسمعونها ويحبونها – حتى الآن – من تأليف بديع خيري.
وُلد في حي المغربلين الشعبي في 7 أغسطس 1893، وتوفي في 1 فبراير 1966. دخل الكُتّاب ومنه إلى المدرسة، ثم تخرج في مدرسة المعلمين.. ليعمل مدرساً في شبرا، بعد أن عمل في مصلحة التليفونات. ارتبط بديع خيري بشخصيتين كان لهما أثر كبير على الفن المصري؛ هما سيد درويش، ونجيب الريحاني.
بديع خيري.. كان مصرياً شديد الموهبة والحساسية، لم يترك شيئاً لم يكتب فيه. كتب عن الحب والغرام. وكتب جميع المواقف الاجتماعية من زواج وولادة وأطفال، واشترك في ثورة 1919.. بالكتابة، وبالاشتراك الفعلي في المقاومة الشعبية. وكتب عن أهمية أن الدين لله والوطن للجميع. كتب عن كل الفئات، عن النجارين والحدادين والفلاحين والعمال والعربجية والسقايين والحمارين وبائعي اللبن والكناسين والشيالين. وحارب كل أنواع المخدرات.. بأزجال فكاهية شديدة السخرية والقوة. كانت لغة ساخرة ومعبرة، وخفيفة على الأذن، وتحفظ بسهولة.
لا يعرف الكثيرون أنه صاحب ديالوج «شحات الغرام» – الذي أبدع فيه محمد فوزي وليلى مراد – وأنه صاحب أغنية زفة العروسة: «عين الحسود فيها عود يا حليلة.. على عريس الليلة اسم الله عليه«.
وكان أمين صدقي يكتب مسرحيات الريحاني، وعندما حققت مسرحية «حمار وحلاوة» نجاحاً كبيراً، طلب أمين صدقي نصف دخل المسرحية أجراً له، ورفض الريحاني، وبدأ يبحث عن مؤلف آخر. صحبه صديقه جورج شفتشي إلى مسرحية «أما حتة ورطة» لفرقة نادي التمثيل، وأعجب بها الريحاني، وسأل عن المؤلف.. فقال له شفتشي إنه هو المؤلف، فتعاقد معه على كتابة ثلاث مسرحيات. المسرحية كانت من تأليف بديع خيري، لكنه تخوف من كتابة اسمه.. حتى لا يفصل من المدرسة، ويفقد راتبه المكون من سبعة جنيهات. واتفق شفتشي أن يكتب بديع خيري المسرحيات، ويكتب شفتشي أنه المؤلف، ويتقاسم مع بديع ما يتقاضاه من أجر من الريحاني. واستمر ذلك ثلاث مسرحيات؛ حتى وشى أحد أصدقاء شفتشي للريحاني، بأن المؤلف الحقيقي هو بديع خيري، فطلب أن يقابله، وتم ذلك في أغسطس عام 1918، وأقنعه بالاستقالة من المدرسة والتفرغ للكتابة.
كان الريحاني وبديع.. يبحثان عن ملحن موهوب لمسرحياتهما، خاصة الاستعراضات التي تحتاج إلى ألحان شعبية. قال لهما أحمد شفيق المصري: أنا شفت في مسرح جورج أبيض رواية فيروز شاه، والمزيكا تجنن؛ كأني شربت مائة كأس ويسكي.. من روعة الألحان، وذهب الريحاني وبديع لمشاهدة فيروز شاه. وعلى الفور قابلا سيد درويش، واتفقا معه على تلحين مسرحية «ولو»، واستمر التعاون بينهما.
أهم أعمال بديع خيري هي التي كانت خلال ثورة 1919، فقد كان مشاركاً فاعلاً في الثورة، وفي التظاهرات.. وحتى في استخدام السلاح ضد الإنجليز. هو صاحب أغنية «قوم يا مصري«
قوم يا مصري
مصر دائماً بتناديك
خد بنصري
نصري دين واجب عليك
اهتم بديع خيري بالوحدة الوطنية، فلحن له سيد درويش كلماته الرائعة:
إوعى يمينك إوعى شمالك
إن كنت صحيح بدك تخدم
مصر أم الدنيا وتتقدم
لا تقول نصراني ولا مسلم
الدين لله يا شيخ اتعلم
اللي الأوطان تجمعهم عمر الأديان ما تفرقهم
وخرج الريحاني وبديع مع الفرقة – في عربات حنطور – ينشدون في الشارع اللحن، حتى التقى الشيخ القاياتي مع القمص سرجيوس وتعانقا.
قام بديع بالكتابة لفرق أخرى؛ منها علي الكسار وعكاشة ومنيرة المصرية. ونشط بديع مع الفرق الأخرى.. في الفترة التي سافر فيها نجيب الريحاني وفرقته إلى أمريكا الجنوبية.
كان بديع صحفياً، وأنشأ عدداً من المجلات التي تمت مصادرتها، وكان مهتماً بقضايا التعليم والحرية، ومنها صحيفة «ألف صنف«.
كتب بديع للسينما الصامتة، ولأول فيلم كارتون.. للإخوة فرانكل، وسيناريو فيلمي.. العزيمة وانتصار الشباب، وكان آخر فيلم شارك فيه هو «غزل البنات«.
أملى بديع خيري مذكراته على الصحفي محمد رفعت، ونشرت في 190 صفحة من 17 فصلاً، ثم نشرت في مجلة «الكواكب» على 16 عدداً من يوليو 1963.
بديع هو صاحب هذه المجموعة من الأغاني لتكشف أهميته وتأثيره:
الحلوة دي قامت تعجن في الفجرية
والديك بيدَّن كوكو كوكو في الفجرية
يالله بينا على باب الله يا صنايعية
يجعل صباحك صباح الخير يا اسطى عطية
وحارب المخدرات بكلماته:
إوعى يمينك إوعى شمالك
إوعى الأزمة توقف حالك
إوعى الكوكايين يلحس عقلك
إوعى الجوزة تطير عقلك
وهو صاحب الأغاني التي عاشت أكثر من قرن:
يا ورد على فل وياسمين، الله عليك يا تمر حنة
وأغنية:
طلعت يا ما حلا نورها شمس الشموسة
يالله بينا نملا ونحلب، لبن الجاموسة
وكذلك كتب للصعايدة:
مليحة جوي جوي الجلة الجناوي
والأغنية الأشهر:
سالمة يا سلامة روحنا وجينا بالسلامة
صفر يا وابور واربط عندك نزلني في البلد دي
بلا أمريكا بلا أوروبا ما في شيء أحسن من بلدي
دي المركب اللي بتجيب أحسن من اللي بتودي
يا اسطى بشندي
ولم ينس بديع خيري المعتقلين السياسيين فكتب:
ياريت عنينا جعلوها يا هوه
ولا حرموا الواحد من أبوه
من يوم ما ظلمونا وحبسوه
واحنا يوماتي على القلب داهوه
فاتت ليالي ما يتعدوش
وأبويا في السجن ما شوفتوش
وكتب للبرلمان:
البرلمان الجديد.. أبو كراسي قطيفة
عايز قلوب من حديد.. عايز ضماير شريفة
شكراً للمركز القومي للمسرح على إحياء ذكراه. وتحية لروح المبدع الكبير والوطني العظيم بديع خيري. فبالرغم من الاحتلال، إلا أن المواهب تفتحت وأخذت فرصة لتنتج كل هذا الجمال.
(قوم يا مصري مصر دائماً بتناديك).
نقلاً عن «المصري اليوم«