أمينة خيري
حديثي عن «الواسطة» هنا، يقتصر على طلب أو البحث عن معارف.. يسهلون عملية الحصول على «خدمة»، هي في الأساس حق.. لا منة أو منحة. المقصود ليس واسطة الحصول على وظيفة دون وجه حق، أو الانضمام لمنتخب رياضي.. رغم وجود آخرين أكثر استحقاقاً، أو فرصة تدريب.. ترجح كفة الموصى عليه؛ لمجرد أن له معارف مهمين في مناصب ما. كما أن المقصود بها ليس طلب «الخدمات» – التي تخرق القانون أو تضر آخرين، أو فيها شبهة نصب أو احتيال أو تزوير – وإنما تجديد رخصة أو إصدارها، موعد مع طبيب، الحصول على علاج تابع للتأمين الصحي، إصدار بطاقة خدمات متكاملة، إنهاء أوراق معاش، تقديم على غاز أو كهرباء، وغيرها مما يفترض أن تكون خدمات الحصول عليها مضمون.. طالما الشخص مستحق، والمستندات كاملة ومتوفرة، بالإضافة إلى وجود نظام محكم.. يضمن «الدور»، وما أدراك ما «الدور».
تبقى رقمنة الخدمات وإمكانية الحصول عليها «أون لاين» – أو في أقل حدود ممكنة، من التعامل البشري – وهو ما يقلص هامش احتمالات الفساد بأنواعه؛ سواء واسطة أو غيرها، وذلك شرط إتاحة أدوات الـ«أون لاين».. للمواطنين كافة، ويمكن تسميتها «التمكين الرقمي» أو الحقوق الرقمية. وتبقى خدمات وإجراءات تتطلب وجود المواطن، وتعامله مع الموظف (ة)، وهنا تزيد احتمالات سعي البعض للواسطة أو التوصية. أقول – بكل ثقة – إن كثيرين باتوا يؤمنون أنفسهم بمسألة طلب التوصية، على الرغم من تزايد عدد الجهات والهيئات التي تضمن – إلى حد كبير – خدمة جيدة.. دون مهانة أو إذلال أو فوضى، وهو ما كان شائعاً على مدار عقود.
وعلى الرغم من تجذر ثقافة «الواسطة» و«التوصية»، إلا أنني ما زلت أتعجب من أن يطلب أحد توصية مثلاً.. لتحرير محضر شرطة، أو إزالة مخالفات، أو تعدي الدور في عيادة أو مستشفى، أو الحصول على نصف كيلو جبن وربع زيتون.. من قسم البقالة قبل الآخرين، أو غيرها. بالطبع أتفهم تماما أن يستميت أهل مريض.. حالته حرجة، ويحتاج تدخلا علاجيا أو جراحيا عاجلا لإنقاذ حياته، ويلجأون إلى طلب الواسطة، أما الأمور الأخرى، فأجدها صعبة الفهم والهضم. الأصعب بالنسبة لي – في الفهم والهضم – هو أن مثل هذه السخافات، يتم تناولها إما من باب «مناشدة المواطنين احترام القانون أو الدور.. عبر ملصقات أو برنامج تليفزيوني»، أو من بوابة أن «الإسلام حرم الوساطة»، أو «المسيحية حذرت من المحسوبية».
ماذا عن تطبيق القانون؟ ماذا عن التأكد من أن منظومة «الدور» مفعلة، ولو بورقة عليها أرقام؟ والتفعيل تصحبه مراقبة، وإلا سيكون «الطبع غلاب»، وتجد موظف الأمن – في البنك أو المصلحة – يطبع عشر ورقات دور أو عشرين صباحا.. لأصحاب الحظوة، وتجد نفسك على باب البنك أو المصلحة وحدك في الصباح الباكر، ورقمك 21!
الواسطة والمحسوبية – في مجال الحصول على خدمات – حلولها سهلة: قانون، رقابة، استمرارية. وتركها أو تجاهلها أو التماهي معها.. يعمق الشعور بالظلم والحنق ويضرب القيم في مقتل.
نقلاً عن «المصري اليوم»