أمينة خيري
أنا مع التعددية. مسألة أن يكون الجميع صورة طبق الأصل.. من بعضهم البعض، تصيبني بالغثيان. ومعها «حق» الآخرين.. أن يسبوا ويشتموا، و«يشرشحوا».. الآخر المختلف.
السنوات الماضية شهدت صعوداً رهيباً.. في معدلات «الشرشحة» الفكرية والتعبيرية. جزء من هذا الصعود يدين بالفضل.. لتوسع قاعدة استخدام الـ«سوشيال ميديا»، التي أعطت لمن يرغب.. أدوات ومنصات تمكنه من الشرشحة.. وقتما وأينما أراد.
فلانة كتبت أن رأيها كذا.. في قضية سياسية أو دينية مثلاً، فإذ بكتائب المختلفين والمختلفات.. لا يردون على الرأي.. بآخر مختلف أو معاكس، بل ينعتونها بألفاظ خارجة، ويصفونها بنعوت تمس الشرف والسمعة، ومنهم من يأخذ «سكرين شوت»، ويتخذ منها نقطة انطلاق للتشهير والتجريح. فلان عبر عن آراء في الشأن الاقتصادي على صفحته، فتنهال عليه اتهامات العمالة والخيانة، أو تسقط على رأسه شتائم بالأب والأم والأخت والخال والعمة. الغريب، أن هذا البعض.. قلما يرد بنظرية مضادة أو طرح مغاير، فقط شتائم.
وحتى لا نظلم الـ«سوشيال ميديا» – لأنها مجرد منصة، يستخدمها البعض للشرشحة، في حين يستخدمها آخرون للنقاش والترفيه وغيرهما – يمكن التأريخ لبداية عصر الشرشحة العلنية.. بظهور قنوات فضائية قبل نحو ثلاثة عقود.. ظهوراً مدوياً؛ بعباءة «مهنية»، ومحتوى «متفرد»، بالإضافة لما بدا أنه.. الرأي والرأي الآخر؛ كما لم يعهده المشاهد العربي من قبل. وبتحول هذه البرامج إلى منصات للتراشق.. بأكواب الماء، والمقاعد، وشتائم وغيرها.. إلى «منتج» يسعى المتلقي إلى مشاهدته؛ لا رغبة في متابعة القضية المختلف عليها بالضرورة، بقدر استجابة لمراكز الإثارة.. التي تم تهييجها بفعل الصراخ والشتائم على الهواء مباشرة، تم غرس أولى بذور اعتبار الخروج على القواعد والسلوكيات، والأخلاقيات المتعارف عليها في الحوار.. من كونها «آداب»، إلى سفاهات؛ صارت، بمرور السنوات، مقبولة.
وعجب العجاب، هو أن نسبة من هؤلاء الشتامين اللعانين – الذين يرشقون الآخرين المختلفين معهم في الفكر، بشتائم واتهامات يندى لها الجبين – «متدينون»؛ تجد صور البروفايل آيات وأحاديث، والمحتوى فتاوى وتفسيرات دينية.. لمشايخ، أغلبهم رحل عن دنيانا، وتركوا لنا إرثاً من التشدد والتطرف والغلظة، وتحويل الدين من نقطة جذب وسماحة ورحمة.. إلى العكس.
وكنت أظن إن جزءاً رئيسياً من إصلاح التعليم، يكمن في «صنفرة» العقول.. مما لحق بها من جمود فكري، وعوار أيديولوجي.. جعلا الغالبية تعتقد أن علينا جميعاً، أن نكون نسخاً مستنسخة من بعضنا البعض.. شكلاً وموضوعاً. ومن يشذ عن التطابق.. نرميه بالشتائم والسباب. فوجئت بتجديد قرار «حظر التطرق إلى أي قضايا خلافية.. ذات طابع سياسي أو ديني» في المدارس.
أتفهَّم وجهة نظر الوزارة – حيث «الحفاظ على حياد المدارس، وعدم استغلالها لتوجيه الآراء»… إلخ – لكن تعلم قواعد الحوار والاختلاف، واحترام الآخرين، وقبول الاختلاف.. يبدأ في المدرسة، لا عبر طرح قضايا سياسية ودينية، ولكن عبر غرس «آداب الحوار والاختلاف».
رهاب الاختلاف، ساهم في نمو وانتشار.. منظومة الشرشحة.
نقلاً عن «المصري اليوم»