Times of Egypt

من دمشق لأجل القاهرة

M.Adam
أحمد الجمال

أحمد الجمال

كتبت من قبل.. عن بعض مسوغات الحرص على متابعة الوضع السوري أولاً بأول، ولم يغب عن ذهني لحظة واحدة.. حتمية أن نتدبر دروس تلك الحالة؛ وكونها نموذجاً لما كانوا يدبرونه لمصر، ومازالوا يعملون عليه.. والضمير عائد هنا على كل الأطراف؛ التي فكرت وخططت ونفذت ما سُمي «الربيع العربي»، وتنفذ ما يسمى «الشرق الأوسط الجديد».. المتضمِّن إسرائيل الكبرى.

ويرتبط بتلك الحتمية ارتباطاً وثيقاً، وجوب الاصطفاف الوطني المصري.. لحماية بقاء وقوة وازدهار الدولة الوطنية، واستكمال مشروع 30 يونيو، وتلافي أي سلبيات.. أعاقت وتعوق مسيرته، وتؤثر على متانة هذا الاصطفاف. تابعت ما صدر يوم 6 أغسطس 2025 في دمشق.. موقَّعاً من مجموعة الرموز السياسية الدمشقية وبعض ممثلي المجتمع المحلي، وعلماء ورجال الدين. ومما جاء في نصه: «نرفع هذا البيان.. استنكاراً واستغاثة مما آلت اليه الأوضاع في مدينتنا العريقة دمشق، مهد الحضارة وموئل الرسالات.. لقد بات واضحاً وجلياً، أن القبضة الأمنية – التي تتحكم في تفاصيل حياة الناس – لم تعد سوى غطاء للفوضى، وذريعة لطمس كرامة المواطنين، وسلبهم أمنهم ومعاشهم.. في ظل تفشي القتل والسرقة والسطو المسلح، والاعتداء على المتاجر وترويع الآمنين ليلاً ونهاراً. بل إن الأمر تعدَّى إلى ظهور جماعات تكفيرية متطرفة.. تُكفِّر كل من خالفها، أو يتبع منهجاً – حتى وإن كان من أهل السنة والجماعة فقط – لأنه لا ينتمي إلى مذهب ابن تيمية، أو لا يعتنق فكرهم الجامد، وكأن التكفير بات وسيلة لفرض السلطة، وليس انحرافاً عن جوهر الدين الحنيف. ونعلنها بصراحة.. أن هناك مجموعات من البدو المنفلتين، ومعهم جماعات جهادية من الأجانب.. لا يحترمون أي قيم أخلاقية أو حضارية، ولا قيمة لمدينة كدمشق لديهم، فهم يستبيحون الممتلكات ويسطون عليها تحت مسمى الغنائم، وكأنهم في غزوة جاهلية لا رادع لها. إننا – في هذا البيان – نحذر من هذا الانحدار الخطر، ونناشد كل الشرفاء.. في دمشق وسائر الوطن، أن يتحملوا مسؤوليتهم الأخلاقية والإنسانية والدينية، وألا يسكتوا عن هذا الباطل، ونطالب الجهات المسئولة – إن بقي فيها من يسمع – أن تتحرك لحماية الناس». 

ثم تابعت تطورات قضية الطائفة الدرزية – أو طائفة «الموحدين» – الذين يحاول البعض إلصاق تهمة وجريمة الانفصال عن سوريا والاستقواء بالصهاينة بهم، وتعميم هذه التهمة عليهم جميعاً، وهذا أمر.. أقل ما يقال، فيه إنه غير صحيح، وأصدق ما يقال عنه.. هو أنه جريمة تاريخية وأخلاقية ترتكب بحق مواطنين سوريين، يعتزون بالانتماء لعروبتهم «بني معروف»، ويفخرون بتاريخ نضالهم الوطني. 

وقد تابعت بياناً من «أشرفية صحنايا» – المدينة السورية في ريف دمشق، وتسكنها أغلبية موحدة درزية، إلى جانب مدن جرمانا وصحنايا ودير علي – ومما جاء في البيان: «نحن جميع الشخصيات الروحية والسياسية والوطنية، والفعاليات المجتمعية.. المدنية والسياسية والاقتصادية؛ نعلن بكل وضوح وحزم أننا ندين ونستنكر أي اتصال أو علاقة – تحت أي مسمى أو مبرر أو ذريعة، ولأي سبب كان – مع الكيان الصهيوني، العدو التاريخي لشعبنا السوري وللأمة العربية، وندين أي صوت أو تحرك من أي جهة أو مرجعية.. يدعو للانفصال عن سوريا وطننا الأم، فدمشق أمنا وأختنا وأهلنا وتاريخنا وذاكرتنا، وإننا – وفاء لتاريخنا الوطني العروبي الإسلامي المعروفي والتوحيدي الذي أورثنا إياه الأمير السيد عبدالله التنوخي وشكيب أرسلان العروبي الإسلامي أمير البيان العربي، وسلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى. وكمال جنبلاط الشخصية العروبية والفكرية والسياسية ورجل الدولة – نتمسك بشعار الثورة «الدين لله والوطن للجميع»، نعلن تمسكنا بوحدة الأرض السورية، ورفضاً لأي تقسيم أو تجزئة أو انفصال، ولن نكون إلا إلى جانب الشعب السوري.. في الدفاع عن وحدتنا وهويتنا الوطنية السورية الجامعة».

ويختم الوطنيون الموحدون الدروز السوريون بيانهم.. بالمطالبة بمؤتمر للحوار الوطني جامع.. شامل لكل القوى السياسية والمدنية، وكافة الفعاليات الثقافية والاجتماعية والفكرية والأكاديميين.. وإصدار التشريعات الرادعة والحازمة.. التي تحرم وتعاقب على أية دعوة طائفية، وعلى خطاب الكراهية والانتقام، والمطالبة بإطلاق الحريات وإصدار قانون عصري ديمقراطي للأحزاب، يعيد الروح للحياة السياسية وإطلاق الحريات لإعادة بناء النقابات العلمية المهنية والعمالية.. ثم استعادة الدولة وبناء مؤسساتها والتخلي عن الفئوية والمحسوبية، واعتبار الكفاءة المهنية والعلمية والأخلاقية.. أساساً ومعياراً لشغل الوظيفة في الإدارة العامة.

وخُتم البيان بنداء «لبناء سوريا الدولة الوطنية السياسية التعددية المدنية، دولة المواطنة المتساوية». 

وفي السياق السوري شديد التعقيد – الذي تجلت فيه بأوضح المعالم قسمات التكوينات السياسية.. التي أرادها مخططو ومنفذو الربيع إياه والشرق الأوسط الجديد – تحاول القوى الوطنية الحية في سوريا ومن مختلف المشارب الفكرية والسياسية والوصول إلى صيغ تجميعية.. على أرضية المواطنة الكاملة، ومنها الصيغة التي تابعت بيانها التأسيسي وحملت اسم «حزب الجمهورية» الذي شعاره «العدالة والمواطنة والديمقراطية». 

وربما تكون لي وقفة – في مقال مقبل – مع مضمون الإعلان التأسيسي لحزب الجمهورية في سوريا. إنني وقد عمدت لاطلاع القارئ على مستجدات ما يجري في سوريا، أعيد التأكيد على حتمية قراءة وفهم دروس.. ما يؤدي إليه تقويض الدولة الوطنية، أو التحريض عليها، أو عدم الوعي بالأولويات، والخلط بين ما هو تناقض ثانوي وبين التناقض الرئيسي.. وذلك حديث آخر.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة