زياد بهاء الدين
فيلات بعشرات ومئات الملايين، وحفلات تبدأ قبل الفجر ولا تنتهي، وسيارات فارهة، وشباب يستيقظون بعد الظهر.. ولا ينامون إلا مع بدء اليوم التالي، ومطاعم ومقاهي وملاهي وموسيقى صاخبة، وأسعار لا تُصدَّق.
مرحباً بكم في الساحل الشمالي، مع مراعاة فروق التوقيت والسلوك والأسعار.. بين الطيب منه والشرير. الساحل الشمالي ليس منطقة جغرافية، بل مفهوم مركب.. يعبر عن أنماط معينة للإجازة والاستهلاك والترفيه والتفاعل بين الناس، تبدأ وتتصاعد تدريجياً من نهاية يونيو، ثم تنتهي مرة واحدة مع بداية سبتمبر.
هذه هي الصورة السائدة للساحل الشمالي.. التي تغذيها إعلانات البيوت والمنتجعات والسندوتشات – وتكاد تكون كلها باللغة الإنجليزية السيئة – ويتداولها الناس على صفحات التواصل الاجتماعي. ولكن مع أن جانباً منها صحيح، إلا أن للساحل الشمالي وجوهاً أخرى، لا تحظى بأي اهتمام أو تعليق. هناك مئات الآلاف من الشباب – العاملين في مختلف المجالات طوال الصيف، في الشواطئ والفنادق والمطاعم والأمن والنظافة والمحلات والسيارات – يستيقظون كل يوم، ويعبرون الطريق السريع.. متجهين لأعمالهم التي تمتد حتى مطلع الفجر.
وكثير ممن تحدثت إليهم، ينتظرون موسم الصيف.. للعمل وادخار بعض المال. وهناك عشرات الآلاف من المورِّدين.. لكل ما يستهلكه الساحل الشمالي من أكل وشرب وبضائع، ويعتمدون على هذا الموسم.. القصير والسخي. وهؤلاء نراهم على الطريق في الصباح الباكر.. ثم وقت الغروب، ينقلون بضاعتهم بنشاط شديد، لإعادة تزويد المحال والبقالات والمطاعم. وهناك أهل المنطقة من القبائل العربية، ومن الموظفين والعاملين المقيمين، وكثير منهم يستفيد بإيجار غرف ومساكن ومواقف سيارات، ويساهمون في أعمال صغيرة.
وهناك – طبعاً – عدد هائل من المصطافين – من مختلف درجات وطبقات المجتمع المصري – ممن لا يقطنون القرى والمنتجعات المشهورة. ملايين وضعوا مدخراتهم في بيوت وشقق على جانبي الطريق السريع، وممن يستأجرون مساكن وشققاً متنوعة، وآخرون يستضيفون أقاربهم.. من كل أنحاء الجمهورية، وموظفون وعمال في المصالح والمؤسسات الحكومية، وفي البنوك والنقابات.. يحجزون أماكنهم في المصايف المملوكة لهذه الجهات. وهناك أيضاً – وإن كان أقل بكثير – أنشطة متنوعة ثقافية ورياضية واجتماعية، وندوات ومحاضرات ومعارض فنية ومسابقات رياضية.
للساحل الشمالي إذن، وجوه كثيرة ومتنوعة.. بخلاف ما يخص النسبة المئوية الضئيلة، المسيطرة على الساحة الإعلامية والإعلانية والاجتماعية. نحن باختصار، أمام ظاهرة اجتماعية مركبة، فيها الجيد والرديء، والشرير والطيب، والمستفيد والمضرور. فلا يصح اختزالها وتبسيطها فيما يقدمه لنا المعلنون.. من صور ومشاهد وأنماط استهلاك محددة، وغير معبِّرة عن الغالبية. والواقع أن ترسيخ هذه الصورة النمطية.. ليس موضوعاً نظرياً؛ بل له آثار عملية خاصة.. على أولويات إنفاق الدولة. طبيعي أن تتجه الموارد العامة للصرف على الطرق والكباري والمدن الجديدة، وتشجيع الاستثمار في المنتجعات باهظة الأسعار.. إذا استقر في وجداننا أن الساحل الشمالي، ليس إلا هذه الحالة المحمومة من الإنفاق والاستهلاك والسهر، والمبالغة في كل شيء.
أما إذا نظرنا لهذه الظاهرة الاجتماعية المركبة بشكل متوازن، فإن الحاجة تظهر.. للاهتمام بجوانب إنفاق أخرى؛ منها الحاجة لضمان حد أدنى من الأجور، وظروف العمل.. للشباب العاملين، ولفرض ضوابط إنسانية.. في المساكن والغرف المؤجَّرة لهم، ولتمكين المشاة من عبور الطريق السريع بشكل آمن، ولإتاحة المساحات الخالية وغير المستغلة على البحر.. للناس؛ كي تستمتع بشواطئ مجانية محدودة التكلفة، ولزيادة الوحدات الصحية والخدمات الاقتصادية.
لا أقترح هنا قيوداً على نشاط، ولا تعطيلاً لاستثمار، بل أؤيد الترحيب بالإنفاق والسياحة والترفيه والموسيقى والطرب، لأن المستفيد من كل هذا.. فئات كثيرة في المجتمع. ولكن للساحل وجوهاً متعددة، يلزم الاهتمام بها جميعاً، واحترامها، وتقدير المشاركين فيها، والإنفاق على احتياجاتهم، كي يكون موسم الصيف لطيفاً وممتعاً لكل أطرافه، لا مصدراً للتوتر والاحتقان.
نقلاً عن «المصري اليوم»