Times of Egypt

محمد رياض: رحيل عالم جليل

M.Adam
سمير مرقص 

سمير مرقص 

  1.  

العلم في خدمة الوطن / المجتمع 

عن عمر يناهز المائة عام، رحل عن عالمنا قبل أيام الدكتور محمد رياض (1927- 2025)؛ الذي يُعد أحد أهم الأكاديميين المصريين.. الذين استطاعوا أن يوظفوا علمهم من أجل خدمة وطنهم. كان الدكتور محمد رياض أحد علماء الجغرافيا السياسية المصريين، وواحداً من رواد هذا الحقل.. ممن ساهموا مساهمات معتبرة من أجل تطوير مصر: المكان والناس؛ كانت عينه دوماً على المستقبل دونما انفصال عن أفضل ما في الماضي، وفي نفس الوقت الانتباه إلى ضرورة الانقطاع عن أسوأ ما أصاب المكان والناس. 

هكذا قارب واقع «القاهرة» ومشكلاتها في كتابه: «القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل»؛ الذي يُعد مرجعاً لا غنى عنه لفهم التاريخ المادي للقاهرة.. من حيث تشكل حواضرها، مدنها، القديمة والجديدة، وعشوائياتها، وتجمع سكانها وحركتهم، ومن ثم مشكلاتها الراهنة: العمرانية، والتخطيطية، والمرورية، والتوزيعية، والإنتاجية، وإداراتها المحلية، والتنموية… إلخ. كذلك قارب مشكلات مصر من خلال كتابه: «اقتصاديات المجتمع المصري: رؤية مصرية»، من خلال رؤية شاملة وطنية ذاتية تنموية مستدامةـ تنهض بمصر في شتى المجالات، تنطلق من مقاربة موسوعية شاملة.. متعددة الأبعاد، تعتمد نهجاً يربط بين: الطبيعة، والاقتصاد، والبشر، والسياسة. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هذا الكتاب قد صدر عام 2016 – في 400 صفحة من القطع الكبير – أي أن الراحل الكريم ظل يبدع حتى سن التسعين.

الموسوعية 

كان «رياض» واعياً بأنه.. لا يمكن فهم إشكاليات الحاضر، ومن ثم تجاوزها.. ما لم نأخذ في الاعتبار المقاربة الشاملة متعددة المستويات والأبعاد. لذا كان حريصاً أن يؤكد على أهمية المقاربة التي تأخذ في الاعتبار «ضرورة التلاقي بين الطبيعة، والاقتصاد، والبشر، والسياسة»؛ أي معالجة تلك الإشكاليات.. من خلال الحقول المعرفية المتنوعة. بلغة أخرى لم تكن مقاربات «رياض» مقاربات تقنية محضة، بل كانت تتميز بالشمولية والموسوعية. ونستعيد هنا كلماته حول تلك الإشكاليات، وذلك كما يلي: «إن المشكلات المصرية كثيرة.. كأي دولة حية، تفور برغبة التقدم والازدهار. ومشكلات مصر تنحصر تحت ثلاثة موضوعات رئيسية هي: أولاً: المقومات الطبيعية الحاكمة، ثم ثانياً: الظروف الاقتصادية الاجتماعية القائمة، وأخيراً، ثالثاً: أيديولوجيا السياسة الداخلية والخارجية معاً». وفي ضوء العناوين الثلاثة السابقة تناول الكثير من الموضوعات منها.. على سبيل المثال لا الحصر: المياه، والمجتمع الريفي والمسألة الزراعية، والصناعة، والمدن الجديدة، والنقل، والطرق، والوادي والدلتا… إلخ. حيث يتناول كل موضوع من خلال دراسة تفصيلية.

محمد رياض ورؤيته التنموية 

في ضوء ما سبق، طرح شيخنا الجليل الراحل محمد رياض.. رؤية تنموية وطنية ذاتية مستدامة تلائم الظروف المصرية تتمثل في: «… مجموعة من الأنشطة التي لا تحتاج إلى غزارة المياه.. مثل الزراعة، وذلك بالتركيز على حياة مدنية صغيرة إلى متوسطة، تعتمد اقتصادياً على الصناعة التحويلية. وتنشيط الصناعة الحرفية.. للتعامل مع خامات صناعية أو بيولوجية، وإنتاج الطاقة اللازمة للإنسان ونشاطاته الاقتصادية. وبنية تحتية منضبطة؛ من مياه وصرف صحي، وشبكة طاقات متجددة، وطرق وجسور. أما عن الصحاري الساحلية والداخلية.. فتعتمد على النشاط الأولي بسيادة زراعة الري الحديث.. المتمثل في: التنقيط، والرش، والري المحوري، وزراعة الصوبات. بالإضافة إلى السماكة الطبيعية والمزارع السمكية المنتقاة. وأخيراً ثروة حيوانية.. متلائمة مع إيكولوجيا حياتية أميل إلى الجفاف». ويؤكد عالمنا الوطني المبدع.. أن ما طرحه من تصوُّر تنموي متكامل، لابد أن يرتبط بمنظومة الخدمات العامة بأنواعها: مدرسة التعليم الأساسي، والتعليم المهني المطلوب لنوع الخدمات. وعيادة طبية وبيطرة، تتحول إلى مستشفى مع زيادة السكان والأنشطة. ويسري ذلك على كافة أنواع الخدمات المتخصصة؛ كوسائل النقل والرياضة، وثقافة المكتبة، وصالة الفنون، والمصارف. ويرتبط بكل ما سبق.. الحرص على تأمين بيئة جمالية معينة، ينتج منها نمط من السياحة البيئية المحلية.

إبداعات متنوعة 

إضافة إلى ما سبق، كان للدكتور محمد رياض مساهمات مرجعية في الجغرافيا السياسية؛ منها: الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا، والجغرافيا الاقتصادية وجغرافيا الإنتاج الحيوي، العالم القطبي ونورديا، رحلة في زمان النوبة، أفريقيا، الإنسان: دراسة في النوع والحضارة، وجغرافيا النقل… إلخ. وأرجو أن يتاح لنا استعراض بعض ما تضمنته تلك المساهمات من أفكار. 

رحم الله الدكتور محمد رياض الذي يعتبر واحداً من جيل الرواد المبدعين في حقل الجغرافيا السياسية. لقد كان الدكتور رياض – بالرغم من شيخوخته – حريصاً على المتابعة الدؤوبة لكل ما يكتب. ولا أنسى كيف أنه في عام 2017 وعقب ما نشرته حول أفكار العالم الكبير «دافيد هارفي».. حول نهاية الرأسمالية، أن فوجئت باتصال هاتفي منه.. أعقبه لقاء في مصر الجديدة -التي كان يعشقها – وحديثنا المطول حول العديد من القضايا. لم يفتر قط دأبه، فنراه يطرح أفكاراً للنقاش عند انطلاق الحوار الوطني قبل ثلاث سنوات. 

… رحم الله العالم الجليل الدكتور محمد رياض، الذي كنت أتمنى أن يحصل على جائزة النيل.. تقديراً وتكريماً لمساهماته الفكرية المعتبرة، التي ظل يبدعها حتى رحيله.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة