عبدالله عبدالسلام
في أزمنة الانحدار والفشل والهزائم، تستعيد بعض الجماعات – بل والدول – بعضاً من تاريخها؛ لا لتحفيزها على نفض غبار التخلف، وشحذ الإرادة لمواجهة التحديات العاصفة، بل لاستخدامه كسلاح.. في مواجهة الأخ لأخيه، والشعوب بعضها البعض. إنه التنابز بالماضي، والزعم بأننا الأصح، والأفضل أخلاقياً من الآخر.. الذي ينتمي لنفس العقيدة.
هذا ما يحدث حالياً في مناطق عديدة.. من العالم العربي والإسلامي. تحول التاريخ إلى أداة سياسية رخيصة، لتحقيق أهداف دعائية، ودغدغة مشاعر الشعوب.. على حساب الدين. هذا الاستخدام الأسوأ على الإطلاق للتاريخ الإسلامي، أصبح يتردد – ليس فقط – على ألسنة المتطرفين.. الكارهين للمذاهب الأخرى، بل هو مادة خصبة.. في خطابات سياسيين وإعلاميين عرب.
رئيس كتلة حزب الله النيابية اللبنانية محمد رعد.. رد على قرار الحكومة مطالبة حزب الله بتسليم أسلحته، بالقول: «هذا القرار فتح لنا طريق كربلاء». زعيم الحزب نعيم قاسم.. تعهد بـ«معركة كربلائية». تم إسقاط سردية كربلاء، واستشهاد الإمام الحسين عام 61 هجرية.. على الواقع الداخلي في لبنان، وليس حتى على القتال مع إسرائيل.
في نفس الوقت، يرد الطرف الآخر.. بالإعلاء من شأن يزيد بن معاوية، الذي تقول كتب التاريخ أنه أمر بقتل الحسين. بينما ينفي بعض المؤرخين.. إصداره أمراً مباشراً بذلك.
المفارقة، أن يزيد – المتهم بأنه كان مروجاً للفجور والفسق – يعاد الاعتبار له.. ليس من جانب دارسين ومؤرخين ذوي ثقة، بل من إعلام معاد للشيعة. أحدهم كتب – في موقع لبناني – أن «يزيدنا» رجل عزم وحزم وإعادة بناء، وليس كما يتهمه الشيعة.
الحكم الجديد في سوريا – في إطار رفضه للنفوذ الإيراني، الذي ساد زمن بشار الأسد – احتفى بشكل مبالغ فيه.. بالتاريخ والرموز الأموية. تحدث كثيرون عن الدولة الأموية (41 هجرية – 132) ومنجزاتها، كأنها الدولة المثالية.
الهدف هنا، ليس إعادة اعتبار حقيقية للعصر الأموي، بل استخدامه كسلاح في الحرب الدعائية.. من جانب الجماعات السلفية المتطرفة، المشاركة في الحكم مع أحمد الشرع، ضد الشيعة وإيران وحزب الله.
هناك نقاش عنصري، تمييزي، تقسيمي.. ينتقي من الماضي ما يحلو له، وما يخدم أغراضه.
الدين أصبح – للأسف الشديد – وقوداً في تلك المعركة الوهمية، التي لا تخدم سوى إسرائيل وأعداء الإسلام. وفي سبيل تلك المعركة، يتم إنفاق ملايين الملايين.. لإعادة تفسير أحداث تاريخية؛ بالشكل الذي يخدم أغراض هذه الدولة أو تلك.
منذ عقود طويلة، لم يمر على العالم العربي.. مثل هذه الحقبة الأليمة المخزية، التي تستخدم فيها بعض الدول – والجماعات، والأحزاب – كل إمكاناتها، لإشعال الفتنة من جديد.. مستخدمة أحدث ما وصلت إليها التكنولوجيا.
لا أدعو إلى وقف النقاش حول التاريخ الإسلامي، وخاصة الفترات الحساسة فيه. لكن من يقوم بهذه المهمة؟ هل هم السياسيون الطائفيون، الذين لا يتورعون عن لي عنق الحقيقة لمصالحهم الشخصية، أم الإعلاميون والصحفيون وغيرهم، ممن لا تعنيهم الحقيقة في شيء.. طالما هناك استفادة شخصية.
أتساءل: أين المؤسسات الإسلامية، وفي مقدمتها الأزهر الشريف؟ لماذا الصمت على بوادر حرب مذهبية.. يمكن أن تأكل الأخضر واليابس؟
نقلاً عن «المصري اليوم»