عمرو الشوبكي
كما كانت عملية طوفان الأقصى.. لها تداعيات عميقة على المنطقة والعالم، فإن الطوفان الذي أخرجته منظومة الحكم الإسرائيلية.. في مواجهة الشعب الفلسطيني، مروِّع في درجة الكراهية والعدوان؛ فكلام وزير الأمن الداخلي في دولة الاحتلال.. بن غفير للأسير، المناضل مروان البرغوثي.. يعكس حجم الحقد الذي يحمله تجاه أي فلسطيني. وكلام رئيس حكومته عن إسرائيل الكبرى.. رسالة تؤكد أن الجانب العقائدي والديني التوراتي، حاضر بقوة في خطاب النخب الإسرائيلية. ولذا علينا ألا نندهش من أن يكون الخطاب المقابل.. هو خطاب ديني إسلامي.
لقد فعلت إسرائيل في غزة – على مدار ما يقرب من عامين – ما لم تفعله في مكان آخر؛ فقد ارتكبت جرائم إبادة جماعية.. غير مسبوقة، وقتلت وجوَّعت أطفالها، واستهدفت دون رحمة.. المستشفيات ودور العبادة، ثم أخيراً قررت احتلال غزة كاملة، وشطبت من القاموس السياسي.. أي حل للقضية الفلسطينية؛ حتى لو سلمت حماس سلاحها، واستُبعدت من قطاع غزة. وهذا واقع مأساوي لم نره.. حتى في حروب الشرق الأوسط الأخيرة.
لقد حاربت إسرائيل حزب الله، وفككت جانباً كبيراً من قدراته العسكرية، وقضت على معظم قادة الصف الأول، ولكنها كانت تعلم – ويعلم معها المجتمع الدولي – أن هناك بديلاً اختاره أغلب اللبنانيين؛ وهو «العهد الجديد»، وهناك مطلب لبناني وعربي ودولي.. منذ اجتياح عناصر حزب الله بيروت في 2008؛ بضرورة أن يسلم الحزب سلاحه للدولة، وينفذ اتفاق الطائف الموقع في 1989.. بضرورة أن تسلم كل الفصائل المسلحة سلاحها.
صحيح أن هذا المسار ليس مفروشاً بالورود، ويحتاج لتدرج وحكمة شديدين.. في تنفيذه، حتى لا يصطدم بحاضنة حزب الله الشعبية. إلا أنه – في النهاية – مسار محدد الملامح، يتضمَّن استحقاقات وتحديات واضحة.. مطلوب الالتزام بها، لتلافي تكرار العدوان الإسرائيلي.
وحتى الحرب الإيرانية-الإسرائيلية، فلم تعلن الأخيرة أنها تنوي إبادة الشعب الإيراني.. أو تجويعه، وتركزت أهداف الحرب في القضاء على القدرات النووية والعسكرية الإيرانية.. وهو ما لم يحدث، إنما بالتأكيد، أضعفت جانباً كبيراً من قدراتها النووية.. دون أن يمنع ذلك طهران، من الرد بقوة في العمق الإسرائيلي.
إن حروب المنطقة – التي استهدفت تنظيمات ودولاً، كانت حليفة لحركة حماس، وداعمة لها – حملت جميعها مسارات بديلة.. لما كان سائداً قبل الحرب؛ بصرف النظر عن قبولها أو رفضها، ونجاحها أو فشلها.. إلا غزة، التي أعلنت الحكومة الإسرائيلية السيطرة الكاملة عليها، ورفضها لأي تمثيل للشعب الفلسطيني؛ سواء السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، أو أي سلطة معتدلة أخرى.
المأساة الحالية في غزة.. أنها ليست حربا فيها منتصر ومهزوم؛ إنما هي حرب إبادة مكتملة الأركان، ومخاطرها.. في الروح التي تقف وراء استمرارها، لأنها تحمل درجة من التطرف والكراهية، تعقد من فرص أي تسوية سلمية، وتجعلنا ننتظر طوفاناً جديداً.. رداً على طوفان الكراهية.
نقلاً عن المصري اليوم