Times of Egypt

البرلماني والزعيم و«الثقافوبيا» 

M.Adam
وجيه وهبة 

وجيه وهبة

في اليوم الثالث والعشرين من أغسطس من العام 1927 – وأثناء وجود الملك فؤاد في أوروبا، وكذلك رئيس الوزراء حينها عبدالخالق ثروت باشا – توفي سعد زغلول باشا. وفي اليوم التالي لوفاة زعيم الأمة، اجتمع مجلس الوزراء برئاسة جعفر ولي باشا – وزير الحربية وأقدم الوزراء – وقرر أن يقام لسعد باشا تمثالان؛ واحد في القاهرة، والآخر في الإسكندرية، وأن يتولى المثال محمود مختار صنع التمثالين. ويحكي لنا الأستاذ مصطفى أمين – في معرض حديثه عن واقعة تمثالي سعد – في كتابه: «من واحد لعشرة» فيقول:

كانت الوزارة.. وزارة ائتلافية، يشترك فيها الوفديون والأحرار الدستوريون. ولكن الذي تقدم بهذا الاقتراح، لم يكن أحد الوزراء الوفديين، ولا الوزراء الدستوريين، بل كان الوزير المستقل في الوزارة؛ أحمد زكي أبو السعود باشا وزير العدل. واقترح بعض الوزراء أن يؤجل نشر القرار -، إلى أن يستأذن الملك الغائب في أوروبا – فثار أحمد زكي أبوالسعود باشا.. في وجه الوزير الذي اقترح استئذان الملك، وقال: من العار أن نستأذن في تكريم زعيم أمتنا. ولم يكتف زكي أبوالسعود بهذا الاقتراح، بل أضاف إليه قراراً بإقامة ضريح لسعد، وأن يكون بيت الأمة متحفاً وطنياً، وبأن يكون البيت الذي وُلِد فيه في قرية إبيانة متحفاً وطنياً أيضاً.

البرلماني النمرة والإهانة

ويستطرد مصطفى أمين:

كان موقف زكي أبوالسعود في مجلس الوزراء غريباً. وقد أيده الوزراء بالإجماع، ولكنهم سألوه عن سر حماسه هذا. فقال لهم: إن سعد زغلول.. هو الذي عينني – وهو رئيس للوزراء – عضواً في مجلس الشيوخ. وعند افتتاح البرلمان، ألقى سعد خطاب العرش. ولم يعجبني الخطاب. وقررت أن أهاجمه. وثارت بيني وبينه مناقشة عنيفة.. في مجلس الشيوخ، لوَّح فيها سعد بالاستقالة. فلم أتردد في المضي في انتقاده، وكنت أول صوت ارتفع لمعارضته في مجلس الشيوخ. وقال لي محمد سعيد باشا وزير المعارف: كيف تعارض سعد، وهو الذي عينك في مجلس الشيوخ؟ قلت له: لو كان عينني لأكون نمرة لأهانني! ولو قبلت أن أكون نمرة.. فإني أهينه لسوء اختياره. قال محمد سعيد باشا: إنك بهذا الموقف أضعت مستقبلك السياسي إلى الأبد!! وعندما ألّف عدلي يكن باشا وزارته الائتلافية، فوجئت به يعرض عليّ منصب وزير العدل. قلت له: إن سعد باشا هو زعيم الأغلبية، ولا يمكن أن يوافق على اختياري. فابتسم عدلي باشا وقال: إن سعد باشا هو الذي رشحك، وهو الذي أصر على اختيارك، وهو الذي اختار لك وزارة العدل. وعندما سألت سعد عن سبب إصراره عليك، قال: لأنه عرف كيف يحرجني.. وأنا رئيس الوزارة. إنه قال نفس الكلام، الذي كنت سأقوله.. لو كنت في مكانه. وأعجبني أكثر رده على محمد سعيد باشا، عندما وبّخه لأنه عارضني.

هذه هي حكاية برلماني مستقل حقاً، مع زعيم أمة حقاً، رواها من تربى – هو وتوأمه علي أمين – في بيت زعيم الأمة، وليعتبرها القراء حكاية من حكايات العهد البائد.. عهد ما قبل ثورة يوليو. حكايات قبل النوم. النوم السياسي العميق الطويل.

«الثقافوبيا» و«التراثفوبيا»

  • يبدو أن هناك تراجعاً متسارعاً.. في الوعي بقيمة وأهمية الثقافة والتراث الفني بكافة أشكاله، تراجع إلى حد الاستهانة والاستنكار والاحتقار، بل ونزعم أن هناك تنامياً لما يمكن تسميته بـ «ثقافوبيا» و«تراثفوبيا» (رهاب الثقافة، ورهاب التراث). نستيقظ كل يوم على نازلة ثقافية جديدة، وعادة ما تتسربل النوازل.. بتكأة التجديد والتطوير، فتعمل معاول الهدم، بهمة التشفّي في الأماكن والمباني والمعاني.. على حد سواء؛ غير عابئة بالقيم التراثية الفنية والثقافية والتاريخية. ولنعش في زمن الرشاقة. زمن خالٍ من الثقافة. خالٍ من الدسم الحضاري.
  • تواترت الأنباء عن قرار قد اتُّخذ بهدم مبنى الإدارة الهندسية.. التابع لسكك حديد مصر بميدان رمسيس، وهو مبنى تراثي، يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1910. وقد قرأت عن اعتراض العديد من المعنيين على هذا القرار.. لو صحت الأنباء. وعلى وجه الخصوص ما صرحت به لصحيفة الشرق الأوسط، واحدة ممن يُعدون حراس التراث المعماري وبيئته وتخطيطه وذاكرته، وهي الدكتورة سهير حواس.. أستاذة الهندسة المعمارية. ومما ورد في تصريحات د. سهير حواس المهمة: إنها كانت ضمن اللجنة التي تشكلت عقب قرار وزير النقل عام 2008 بهدم المبنى، وإنها – وزملاءها من المهندسين – رفضوا قرار الهدم. وأن المبنى يشكل – مع العديد من العناصر المعمارية الأخرى – قطعة فنية يجب الحفاظ عليها، وكان بجواره سوق شعبية قديمة، تتميز بطرازها المعماري الفريد أيضاً.. قامت السلطات المحلية بهدمها، من أجل بناء مول تجاري، سوف يكون بمنزلة شوكة.. في حلق التشكيل المعماري التاريخي لميدان رمسيس، ليبدو وكأنه رقعة غريبة في ثوب المكان. والمبنى مسجَّل قانوناً كمبنى ذي قيمة تراثية. 

وعن التذرع بهدمه.. من أجل توسعة كوبري أكتوبر، تقول د. سهير: تم إيجاد حلول لذلك، ولم يعد هناك مبرر للهدم. وتبدي دهشتها من عودة قضية المبنى للمربع صفر.. بعدما أثبتنا أنه مبنى تاريخي، ويجب المحافظة عليه، يشكل جزءاً من ذاكرة المكان، ويحمل قيمة تاريخية كبيرة. لقد تم تجديد وترميم واجهة المبنى عام 2014 مضيفة: هل من المعقول أن نلجأ إلى هدم مبنى تاريخي، كلما أردنا توسيع طريق؟!

تُرى هل من مجيب على سؤال الدكتورة سهير حواس؟ لا أعتقد؛ فالبناؤون العظام منشغلون بهدم العقل، ومد وتوسيع الطرق إلى زمن الكتاتيب.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة