Times of Egypt

الأغنية الوطنية من الهزيمة إلى الانتصار

M.Adam

د. علي الدين هلال

كانت هزيمة 1967 صدمة قاسية.. وغير متوقعة للمصريين، وانعكس ذلك على الأغنية الوطنية؛ باعتبارها المرآة التي تعبِّر عن أحزان الشعب وآماله وانتصاراته، فتخلَّت عن النبرة الحماسية العالية، والنوتات العسكرية القوية التي سادت قبل 1967.. إلى أغانٍ أكثر شجناً ورمزية، مع التصميم على الصمود واسترداد الأرض؛ فأصبحت جزءاً من الذاكرة الجمعية للمصريين، تلهب مشاعرهم وتعزِّز روح الانتماء الوطني والإرادة.

وسارت في الحقبة التالية في 3 مسارات. الأول: هو التعبير عن الحزن والألم والأسى، مع استنهاض الهمم.. استعداداً للجولة القادمة. والثاني: الموسيقى والأغاني الاحتجاجية.. التي دعت إلى التغيير. والثالث: هو زهوة الفرح بالانتصار.. في حرب أكتوبر المجيدة 1973. 

تمثَّل المسار الأول.. في أصوات المطربين التي تغنَّت بكلمات وألحان، تمزج الحزن بالإصرار والعزيمة، وسادت نبرة التحدي.. المختلطة بالمرارة. فغنى عبدالحليم حافظ 4 أغنيات عام 1967، كانت أولاها «عَدَّى النهار».. التي كانت أول أغنية له بعد 5 يونيو؛ مليئة بالحزن المشوب بالأمل، واستخدمت الرمز؛ فكان مطلعها «عدّى النهار. والمغربية جاية تتخفى ورا ضهر الشجر. وعشان نتوه في السكة.. شالت من ليالينا القمر»؛ إشارة إلى ظلام الهزيمة. ولكنها – في نفس الوقت – وضعت بذور الأمل؛ إذ يشير تعبير «عدّى النهار».. إلى انقضاء هذا اليوم، وأن فجراً جديداً سوف يأتي. 

وتلتها أغاني «ابنك يقولك يا بطل»، و«أحلف بسماها وبترابها».. التي كانت صرخة، أقسم فيها على أنه «ما تغيب الشمس العربية. طول ما أنا عايش فوق الدنيا». وأعقبها بأغنية «فدائي».

وغنى العملاقان أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب – كل منهما منفرداً – أغنية «أصبح الآن عندي بندقية».. من أشعار نزار قباني في 1969. ولم تكتف أم كلثوم بالغناء، بل قامت بجولات في عدد من الدول العربية والأجنبية، وإقامة حفلات.. خُصّص إيرادها لدعم المجهود الحربي؛ مجسّدةً دور الفنان كمواطن فاعل.. في دعم قضايا الوطن.

وظهرت أغنيات وطنية – خلال سنوات حرب الاستنزاف – للتعبير عن روح الصمود والتحدي؛ من أشهرها أغنية محمد نوح.. «مدد مدد شدي، حيلك يا بلد» التي غناها في التجمعات الشعبية والرياضية.. لشحذ همم المصريين. وأغنية شادية «يا حبيبتي يا مصر».. عام 1970، فبعثت روح التفاؤل، ودعمت مشاعر الانتماء والأمل؛ فقد خاطبت الأغنية مصر بصيغة الحبيبة، واتسمت كلماتها بالبساطة والعذوبة.. في وصفها لأرض مصر، ونهرها وشعبها. ورغم مرور أكثر من نصف قرن على هذه الأغنية، فما زالت تتردد في المناسبات الوطنية والسياسية.

ارتبط المسار الثاني، بذيوع أغاني الثنائي.. شاعر العامية أحمد فؤاد نجم، والمغني الضرير الشيخ إمام عيسى، مع عازف الإيقاع محمد علي.. على المستوى الشعبي؛ فقدَّمت نمطاً موازياً من الموسيقى والغناء، عبَّر عما كان يدور في أوساط المثقفين وغيرهم.. من مشاعر الغضب؛ مثل أغاني «يعيش أهل بلدي وبينهم مفيش ــ تعارف يخلي التحالف يعيش»، و«بقرة حاحا»، و«شرفت يا نيكسون بابا»، و«يا خواجة يا ويكا»، و«جيفارا مات»، و«أناديلكم»، و«مصر يا أما يا بهية، يا أم طرحة وجلابية»، وأغنية «صباح الخير على الورد.. اللي فتح في جناين مصر». استخدمت هذه الأغاني الألفاظ والكلمات العامية البسيطة.. المرتبطة بوجدان عامة المصريين، وخصوصاً بين الشباب وطلبة الجامعات.

أما المسار الثالث، فقد ارتبط بانفجار طاقات الإبداع الوطني، وذاعت عشرات الأغاني التي تحتفي بالإنجاز العسكري المصري في حرب أكتوبر المجيدة 1973، وتمجيد البطولة والوحدة الوطنية، التي اتسمت ألحانها بالإيقاع السريع المبهج.. المعبِّر عن الفرحة والفخر. وأخذ بعضها طابع الأهازيج الشعبية لإضفاء الجو الاحتفالي.

من أهم هذه الأغاني، أغنية عبدالحليم «عاش اللي قال للرجال.. عدّوا القنال»، و«لفي البلاد يا صبية»، و«صباح الخير يا سينا».. التي دعت إلى بداية جديدة للبناء على الأرض المحررة، التي روتها دماء الشهداء. وغنّت شادية «عبرنا الهزيمة.. يا مصر يا عظيمة»، واستعار مؤلفها تعبير عبرنا الهزيمة.. من مقال لتوفيق الحكيم في جريدة الأهرام، وغنَّت وردة «على الربابة بغني»، وسعاد حسني «دولا مين ودولا مين.. دول عساكر مصريين.. دول ولاد الفلاحين». وغنَّت شريفة فاضل «أم البطل» عام 1974.. التي أبرزت معاني التضحية، فقد كانت تحية لذكرى ابنها.. الذي استُشهد في الحرب، فمسَّت قلوب آلاف الأمهات، اللاتي استُشهد – أو أُصيب – فلذات أكبادهن في المعركة.

وغنى كارم محمود أغنية «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». وربما لا يعلم الكثيرون.. أنه كان أول من غنى «أمجاد يا عرب أمجاد. في بلادنا كرام أسياد»، التي اتخذتها إذاعة صوت العرب شعاراً لها، وأداها عبدالحليم بصوته في 1974. كما ذاع أيضاً عدد من كورال الأغاني الجماعية، فبدلاً من صوت منفرد.. كان الغناء جماعياً تعبيراً عن صوت الشعب كله، وكان أشهرها نشيد «بسم الله.. الله أكبر»، و«رايات النصر».

لا بد من التنويه أن كثيراً من أغاني النصر في 1973، تم تأليف كلماتها وتلحينها وغناؤها بعد ساعات من العبور، فكانت تعبيراً أميناً وصادقاً من الفنانين.. عن فرحتهم بالنصر. وساهمت كوكبة من الشعراء، ضمّت عبدالرحمن الأبنودي، وصلاح جاهين، ومحمد حمزة، وأحمد فؤاد نجم، وعبدالرحيم منصور، ونزار قباني. ومن الملحنين، محمد عبدالوهاب، وكمال الطويل، ومحمد الموجي، وبليغ حمدي، وكذلك الموسيقار علي إسماعيل.. الذي قاد الفرق الموسيقية، ووضع توزيعات الأغاني الجماعية، واستخدم فيها الآلات النحاسية والإيقاعات العسكرية.

انتقلت الأغنية الوطنية المصرية – في هذه الفترة – من الحزن العميق إلى الفخر الجماعي، مجسّدةً رحلة المصريين من الهزيمة إلى الانتصار.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة