Times of Egypt

غزة.. ومفترق الطرق الوعرة!

M.Adam
خالد عكاشة

خالد عكاشة

فجر الجمعة؛ وبعد اجتماع دام لما يزيد عن 10 ساعات، أقر مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر «الكابينيت» خطة إسرائيلية جديدة؛ فيما يخص تعاطيها مع الوضع في قطاع غزة، وبما سيتعين على الجيش القيام به خلال الفترة المقبلة. مكتب رئيس الوزراء نتنياهو نقل لوسائل الإعلام.. أن المجلس الوزاري وافق على خطة «السيطرة» على مدينة غزة بوسط القطاع، ضمن خطة شاملة أوسع.. لاحتلال القطاع بالكامل. الجناح اليميني في الحكومة الإسرائيلية، كان وراء الإيعاز لنتنياهو كي يصدر قراره بسحب وفده التفاوضي من الجولة الأخيرة للوساطة، التي كانت على وشك الصياغة النهائية لوقف النار والبدء في تفعيل المراحل الثلاث؛ بجداولها الزمنية المتعلقة بتبادل المحتجزين والجثامين. بعد أن شهدت تلك الجولة.. أهم اقتراب، كان يُؤمل التعويل عليه لإنهاء الحرب، لكن التجاوب الأمريكي مع النكوص الإسرائيلي.. وتبنيه كالعادة، أحبط كل تلك الجهود.

جناح الوزيرين سموتريتش وبن غفير، لمح عدم جاهزية بنيامين نتنياهو.. للفصل التالي من مخرجات اتفاقية الهدنة، فقام بإشعال الخلاف السياسي بين المستوى السياسي والقيادة العسكرية.. ممثلة في رئيس الأركان إيال زمير. ليصير التنازع داخل المجلس الأمني الأعلى؛ بين تقييم نيتانياهو للعمليات بطريقتها الحالية في غزة باعتبارها فاشلة، ولم تؤدِ إلى إعادة المخطوفين، وبين وجهة النظر العسكرية التي أكدت أن عملية «عربات جدعون».. الأخيرة حققت أهدافها الميدانية الكاملة، لكن الإخفاق كان في عدم استثمارها داخل غرف التفاوض.. وإلقاء الكرة في ملعب السياسيين.. الذين لم يحسموا أمرهم بعد؛ زامير – في خلافه مع المستوى السياسي – اتهم وفد التفاوض.. بأنه أهدر ما وفره له بالوسائل العسكرية، كي يحصل على أفضل الصيغ لتحرير المحتجزين، وألمح إلى أنه استنفد جميع الأهداف العسكرية بمسافة كبيرة، وأنه لم يلق مقاومة تُذكر أو أياً من أشكال المواجهة.. طوال الفصل الأخير من عملية جدعون، وهو هنا يتحدث عن أسابيع عديدة – قد تصل لنحو شهر كامل – تبخرت فيه قدرات حركة حماس كلياً.

الخطة الإسرائيلية الجديدة، تستخدم تعبير «السيطرة».. بدلاً من «احتلال»؛ لأسباب قانونية بحتة تتعلق بالمسؤولية تجاه السكان المدنيين؛ فالثابت أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا يناقشون نية احتلال غزة، بينما السيطرة.. تظل هي التعريف الرسمي، فقط للاستخدام الإعلام،ي وكحائط صد أمام الرفض الدولي الذي بات عاجزاً عن تمرير مقترح من هذا النوع. معظم القيادات السياسية الإسرائيلية.. من خارج الحكومة؛ منهم زعيم المعارضة يائير لابيد، وغيره من الساسة والعسكريين السابقين، يقفون بوضوح معلن.. في مربع رفض تلك الخطة، ويعتبرونها «كارثية» دون مواربة، والبعض منهم أشار إلى أنها تخدم حركة حماس وحدها، خلافاً لاعتبارات الأمن الإسرائيلي وأهداف الحرب. 

أما القيادات العسكرية العاملة على الجبهة فتراها جحيماً غامضاً، قد يستغرق عامين على أقل تقدير وستُعرض الجنود للمزيد من القتل.. فضلاً عن حياة الأسرى للخطر المؤكد. الخلافات وصلت إلى الذروة لأول مرة بشكل جدي، وفي الخلفية الضغط الأخلاقي الواسع والمتنامي.. فيما يخص الحالة الإنسانية للفلسطينيين داخل ما تبقى من مدن ومخيمات القطاع. من تفاصيل تلك الذروة أن رئيس الأركان.. لم يُخفِ مستوى التآكل في القدرات البشرية والتسليحية، التي تعاني منها الوحدات العسكرية التي سيُجرى حشدها على عجل لتنفيذ مهمة.. بحجم إعادة احتلال كامل القطاع، واستند أكثر من مرة خلال الساعات الأخيرة إلى تقارير الاستخبارات العسكرية، التي كشفت بوضوح أن الذهاب للخطة العملياتية الجديدة، هو عملياً قرار بالتخلي عن المخطوفين بل قتلهم.

بنيامين نتنياهو – في حديثه الترويجي لخطته.. مع شبكة «فوكس نيوز» الأمريكية، قبيل ساعات من دخوله إلى الاجتماع الوزاري الذي شهد عرض الخطة – أكد أن إسرائيل لا تريد احتلال القطاع إلى الأبد، بل إن الخطة تشمل.. في مرحلة متقدمة منها؛ تسليم قطاع غزة إلى قوات عربية لا تهددها، وأن تكون هناك سلطة مدنية تدير شؤون السكان.. دون أن يحدد طبيعة تلك الشؤون! 

رئيس الوزراء – بحسب هذا الترويج – يعود للمربع الأول، ظناً بأنه قادر هذه المرة على تمرير هذه التصورات المشوهة، فليست هناك بالمطلق قوات عربية حاضرة، أو قابلة.. لاستلام غزة من «احتلال» إسرائيلي، ومن ثم استئناف احتلاله لمصلحتها، والعمل على توفير الأمن لدولة إسرائيل. هذا الاستبدال النظري – الذي يحلم به نتنياهو منذ الشهور الأولى للحرب – لا علاقة له بالواقع، وقد استمع لرفض مصري وعربي أكثر من مرة.. لمثل تلك الترتيبات. ولم يكن مصرياً على الأقل رفضاً أصم بل قدم التصورات التفصيلية البديلة، لرؤية «اليوم التالي» الواقعية.. التي يمكنها التعاطي مع الوضع بداخل القطاع، هذا حملته «الخطة المصرية» لإعادة إعمار وإدارة قطاع غزة.. فور الوصول لانتهاء الحرب.

ليس سراً أن ورقة التسوية.. التي حملها «ستيف ويتكوف»؛ كمشروع للهدنة وإيقاف إطلاق النار؛ تمثل الجزء الأول من الخطة المصرية، التي عرضت القاهرة البعض منها، قبل وصول إدارة ترامب للحكم في الولايات المتحدة. وبعدها قامت مصر بجهود مضنية لإعداد خطة متكاملة؛ تضمن الإدارة المدنية الفلسطينية.. المتوافق عليها من جميع الأطراف، وتحقق عديداً من الضمانات للخروج من النفق المظلم.. إلى اتساع وجدية انتشال القطاع والقضية الفلسطينية من جمود المأساة الحالية. الخطة المصرية تضمنت أشكالاً عدة من الإسناد المؤسسي، يمكنها مع شركاء آخرين تقديمه، للأجهزة الفلسطينية المزمع إعادة تشكيلها وتأهيلها، ومنها الأجهزة الأمنية بالتأكيد، وهي أدوار لعبتها مصر خلال عقود سابقة، وصلت بالقطاع فيها لحالة مستقرة إلى حد كبير. 

لكن هذا المسار يتناقض كلياً مع ما يطرحه نتنياهو اليوم، فهو يدرك تماماً أنه لن يمر، واستخدام عناوين وألفاظ تلتقط ما يريده هو وحده من المقترحات العربية، ويُعيد تدويرها – لتخدير آذان وإرادة الأطراف الغربية بالتحديد من جمهور «فوكس نيوز» – هو وصفة كاملة للفشل وتعكس بذلك حالة الانسداد التي أصابت المشهد الإسرائيلي.. بعد ما يقارب عامين من عمر الحرب. 

الخطة الإسرائيلية الجديدة بإعادة احتلال قطاع غزة؛ رغم مخاطرها على مجمل المشهد الميداني، تمثل فخاً استراتيجياً كبيراً، في رحلة البحث الإسرائيلي عن بوابة خروج.. باتت مراوغة بأكثر من أي وقت مضى، تقابلها محددات مصرية حاكمة.. لن يتمكن القرار الإسرائيلي من تجاوزها بأي حال.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة