عبدالقادر شهيب
أول أمس.. الخميس، ووسط صمت أمريكي، يتخذ المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغَّر.. قراراً بخصوص احتلال كامل قطاع غزة. القرار يأتي.. تلبية لرغبة نتنياهو، ووزراء اليمين الديني المتطرف في حكومته، وعلى غير رغبة رئيس أركان جيش الاحتلال، ولكنه قرر أن ينفذ ما يأمر به المستوى السياسي، وأن يخوض مغامرة محفوفة بالمخاطر الأمنية والعسكرية والسياسية.. كما يرى، وأيضاً مخاطر على حياة المحتجزين الإسرائيليين في غزة.
والصمت الأمريكي تجاه ذلك، ليس له معنى سوى الموافقة على احتلال إسرائيل لكامل القطاع، لأنه يأتي في وقت.. يردد فيه ترامب كثيراً، أنه حان الوقت لإنهاء حرب غزة، التي تعاني من دمار وموت ومجاعة، بينما احتلال كامل أراضي قطاع غزة.. يعني مزيداً من الدمار والقتل والمجاعة، ويطيل أمد الحرب ولا ينهيها، أو يقرب موعد إنهائها. إذن من حقنا أن نستنتج هنا، أن ترامب.. يشارك نتانياهو في كل ما يفعله في غزة؛ من تدمير وقتل ومجاعة. أما حديثه عن وقف تلك الحرب البشعة، وضرورة تقديم المساعدات لأهل القطاع.. فهو لا يعدو إلا مجرد محاولات، لاحتواء الغضب العربي والعالمي، لبشاعة ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي.. من جرائم في القطاع منذ قرابة العامين بلا انقطاع.
وإذا كان نتانياهو يضرب – منذ بداية الحرب – عرض الحائط.. بالرفض الإسرائيلي لاستمرارها، الذي بلغ نحو ثلثي الإسرائيليين الآن؛ فالمثير أن يوافقه ترامب على ذلك، وهو يعرف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي.. يفعل ذلك لمصالح شخصية وأيضاً عقائدية؛ فهو يطيل أمد الحرب، ليطيل أمد حكومته، وليحمي نفسه.. من محاكمات الفساد والفشل العسكري، وقتل الأسرى بنيران قوات الاحتلال. وقبل ذلك، لأنه يؤمن أن غزة مثل الضفة أرض إسرائيلية، وليست فلسطينية.
ولأننا نعرف أن ترامب رجل أعمال.. من هواة الصفقات، فإنه لا يمكن أن يكون مؤيداً لنتنياهو على هذا النحو، لأن الأخير غرَّر به أو ضلله، وهو الذي يقود الدولة العظمى في العالم، ويعتبر نفسه الآمر الناهي فيه. وبالتالي لا بد أن ترامب يجد فيما يفعله نتنياهو في غزة.. مصلحة له ولأمريكا. وهنا نتذكر أنه جاهر برغبته في تهجير أهالي قطاع غزة.. وسيطرة أمريكا عليها، لإعادة إعمارها، وتحويلها إلى ريفيرا الشرق، التي ستكون منتجعاً باهراً لأثرياء العالم!
أي أن مصالح نتانياهو وترامب تلاقت. الأول يريد التخلص من أهل غزة، والسيطرة على القطاع واحتلاله، وسبق أن رفض انسحاب شارون منه علناً. والثاني يعتبر القطاع أرضاً.. تمثل فرصة استثمارية رائعة أو جميلة – حسب وصفه – لا يريد تفويتها، أو أن تفلت من بين يديه.
ولذلك، لا يصغي كل منهما لأصوات أهالي الأسرى الإسرائيليين.. الخائفين على أبنائهم، ولا لأغلبية الإسرائيليين الرافضين لاستمرار الحرب، ويريدون وضع نهاية سريعة لها، لأنها لم تقدم لهم الأمن، وأضرت بهم اقتصادياً. ولا لاعتراض رئيس الأركان.. ومعه قيادة قوات الاحتلال التي ترفض احتلال كامل القطاع، لأنه سيعرض حياة الأسرى الإسرائيليين للخطر، ويفتح الباب لاستنزاف مستمر، لا يتوقف في قوات الاحتلال، ولن يدمر أيضاً حماس.
ولذلك يفضل المستوى العسكري.. إبرام صفقة مع حماس، تتضمن هدنة.. تمنح قوات الاحتلال فرصة لتنظيم الصفوف، والتقاط الأنفاس، وعلاج آثار الحرب السلبية على أفرادها. وحتى عندما تعثرت الصفقة مع حماس.. طرح رئيس الأركان خياراً آخر غير احتلال كامل القطاع.. للضغط على حماس، وأيضاً أبناء القطاع بالعمليات الجوية، وإحكام الحصار على الجزء الأوسط من القطاع.
إلا أن نتانياهو رفض ذلك، وجمع أول أمس الخميس أعضاء مجلسه المصغَّر.. لاتخاذ قرار احتلال كامل أراضي القطاع، لتبدأ مرحلة جديدة وخطيرة جداً في تصفية القضية الفلسطينية، وطرد أهل غزة من أرضهم، وهذا يمس في الصميم الأمن القومي المصري والعربي، ويحتاج الأمر لموقف عربي صارم وحازم لوقفه.
نقلاً عن «أخبار اليوم»