Times of Egypt

الدولة الفلسطينية بين الرمزية والحتمية!

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام

منذ بدء العدوان الهمجي الإسرائيلي على غزة، فور هجمات حماس في 7 اكتوبر 2023، اكتفت أوروبا بالكلام، وتركت الفعل لأمريكا. انتقادات تتصاعد.. للعدوان، والجرائم الإسرائيلية.. دون قدرة على التأثير الفعلي. مظاهرات في الشارع، وخطابات حماسية في البرلمانات الأوروبية، لكن الحكومات في واد آخر. باستثناء إيرلندا وإسبانيا وبلجيكا، أمسكت أوروبا – خاصة دولها الكبرى – العصا من المنتصف. تنتقد وتندد فقط. لا خطوة فعلية تؤثر – ولو رمزياً – على إسرائيل.

لذا، كان غريباً ومفاجئاً.. إعلان الرئيس الفرنسي ماكرون، أن بلاده ستعترف رسمياً بالدولة الفلسطينية.. في سبتمبر المقبل، وتأكيد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.. الاعتراف بهذه الدولة، إذا لم توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار. تبع ذلك تعهد مماثل.. من رئيس وزراء كندا مارك كارني؛ الدولة الأقرب في القيم والسياسات إلى أوروبا.. منها إلى أمريكا. 

هل تغيرت أوروبا والغرب عموماً، وبقيت أمريكا/ترمب في نفس مربع الدعم.. اللامنطقي واللامحدود لإسرائيل؟ 

يدرك الجميع أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية مسألة رمزية. 

هناك 147 دولة تعترف بهذه الدولة، إلا أن ذلك لم يغير شيئاً من الاحتلال والاستيطان، والوأد الممنهج والمتعمد.. لحلم قيام الدولة. 

إذن لماذا تحركت فرنسا وبريطانيا – وتبعتهما كندا – في هذا التوقيت؟ 

لا يمكن إغفال دور الرأي العام الداخلي، وضغط البرلمانات على الحكومات. القضية الفلسطينية أضحت قضية محلية في بريطانيا.. على سبيل المثال. نواب حزب العمال الحاكم جعلوها من أولوياتهم، نتيجة لانتقادات الناخبين.. بأنهم لم يفعلوا شيئاً.

لكن الحكومات الغربية – باستثناء واشنطن – استنتجت خلال الفترة القليلة الماضية، أن إسرائيل بدأت المرحلة الأخيرة من استراتيجيتها.. للقضاء الكامل على القضية الفلسطينية؛ شعباً وحكومة ودولة. 

حرب التجويع المتواصلة.. من الصعب السكوت عليها. الكاتبة البريطانية إيما جراهام هاريسون قالت – في مقال لها بعنوان: «رياضيات المجاعة» – أن إسرائيل تمارسها، وكأنها معادلة رياضية. فقد أنهت تماماً الزراعة في غزة، ومنعت صيد الأسماك، ولم تسمح بالمساعدات من الخارج. 

هذا معناه، أن من شبه المستحيل.. حصول الغزاويين على أي سعر حراري، والنتيجة الموت جوعاً. الخطوات الأخرى – التي حركت الأوروبيين – هي الترحيل القسري، ثم الضم الفعلي للضفة الغربية.. مع اعتبار غزة منطقة محتلة. 

جاء الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لإبقاء القضية الفلسطينية.. حية، ومنع تدمير الجرافات الإسرائيلية لحل الدولتين. الدولة الفلسطينية لن تقوم غداً، أو بعد غد. لكن الاعتراف بها.. من شأنه إفساد الخطط الإسرائيلية لقتلها.

رد الفعل الأمريكي – الذي قلل من الاعتراف الفرنسي والبريطاني والكندي الوشيك؛ معتبراً أنه لا دولة بدون موافقة إسرائيلية – متوقع. لكن في المقابل، فإن واشنطن ستصبح الوحيدة.. الرافضة للدولة الفلسطينية في مجلس الأمن. كما أن الاعتراف يمثل.. إحراجاً أخلاقياً لإدارة ترامب، التي كررت كثيرا..ً مطالبتها بوقف القتال، دون أن يحدث ذلك. 

بالتأكيد، الجميع – شرقاً وغرباً – يعرف أنه يتعامل مع إدارة.. خارجة عن الأعراف والقيم الدولية، إلا أن الانتقال الأوروبي من مرحلة الكلام.. إلى الحركة – ولو بشكل رمزي – خطوة جديرة بالترحيب. 

… رغم كل الظلام الذي أحدثه العدوان، إلا أن حلم الدولة لم يمت، وقيامها حتمي.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة