Times of Egypt

ماذا حدث لثقافتنا؟!

M.Adam
أحمد عبدالمعطي حجازي

أحمد عبدالمعطي حجازي

كتبت هذه المقالة، قبل يوم من انعقاد أول اجتماع للمجلس الأعلى للثقافة.. بتشكيله الجديد، وهو الثلاثاء 29 يوليو، وهو توقيت لم أتمكن فيه من الحديث.. عما قلته في اجتماع أمس الإثنين (28 يوليو)، لكنه لن يكون بعيداً عنه. لأن موضوع هذه المقالة التي كتبتها قبل الاجتماع، هو الموضوع الذي طلبت الكلمة لأتحدث عنه بالأمس.

طبعاً، تحدثت عن الثقافة المصرية.. كما أراها هذه الأيام. وتحدثت عنها كما كنت أراها بالأمس. وتحدثت عنها كما نتمنى أن تكون. وبما أن اجتماع الأمس هو أول اجتماع للمجلس بتشكيله الجديد.. في دورته الجديدة، فقد وجدت من واجبي أن أتحدث عن الثقافة المصرية – كما أراها في هذه الأيام – وأن أكون صريحاً بقدر ما أستطيع. وكيف لا، وأنا أتحدث عن تراثي وتراث آبائي وأجدادي وأولادي وأحفادي؟

وهذه ليست المرة الأولى التي أتحدث فيها عن الثقافة المصرية، وعما صارت إليه. ولست وحدي في هذا الحديث؛ فالثقافة المصرية كانت قضية مطروحة طوال العقود السابقة، وكانت ملحة دائماً، وكانت تزداد كل يوم إلحاحاً. لكنها كانت دائماً تواجه بالصمت، حتى انتهينا إلى ما نحن فيه الآن.. وهو التراجع المستمر؛ الذي لم يعد بعده مجال أو طاقة لتراجع جديد، وهو ما لا أحتاج لتوضيحه، لأنه لم يعد في حاجة لتوضيح، وإنما يحتاج لتغيير عام، ومواجهة حادة مسؤولة، نرى فيها الواقع بتفاصيله، ونعرف الأسباب التي أدت إليه، والكيفية التي نستطيع بها أن نتغلب عليه، ونستعيد ما فقدناه، ونستأنف النشاط، وقد عبرنا هذه المرحلة الصعبة.. لنصل إلى ما لم نصل إليه من قبل. وهذا ما ننتظر من المجلس الأعلى للثقافة – في دورته الجديدة – أن ينهض به. وهل سوى المجلس الأعلى للثقافة.. هيئة أو مؤسسة نلجأ لها في مواجهتنا لهذه القضية، المطروحة علينا منذ نصف القرن؟

في خمسينيات القرن الماضي، كان عميد الأدب العربي طه حسين أول من أدرك أن الثقافة المصرية أصبحت مهدَّدة، وأن الكتاب المصري يفقد جمهوره في الأسواق العربية، وأن الكتاب اللبناني يحل محله في الأسواق التي خسرناها. وفي تلك الأيام، كان الكتاب لا يزال نشاطاً.. يشارك فيه المصريون بنصيب وافر، وكان النقاد والمعلقون العرب يشيرون لهذا النشاط المشترك.. فيقولون «إن الكتاب العربي يؤلَّف في مصر، ويُطبع في لبنان، ويُقرأ في العراق». 

وإلى هنا، كان الوضع لا يزال مطمئناً، ومبشراً بثقافة جديدة.. يشارك العرب جميعاً في إنتاجها، ويؤدي فيها المصريون دورهم.. الذي بدأوه في القرن التاسع عشر، وواصلوه في القرن العشرين؛ الذي احتلت فيه الثقافة المصرية مكانها المرموق.. بالكتاب، والمجلة الأدبية، والأغنية، والفيلم، والمسرحية، كما يشارك فيها غيرهم من المشارقة والمغاربة.. في مختلف الميادين. والذين شهدوا هذه السنوات، خمسينيات القرن الماضي وستينياته، يعرفون أن الأعمال الأولى التي صدرت لأبناء جيلي – في الخمسينيات – وقدمتهم للقراء في مختلف الأقطار العربية، يرجع الفضل في صدورها والاحتفاء بها، لدار الآداب البيروتية ومؤسسها الكاتب الروائي سهيل إدريس. وأنا كنت – في زياراتي للعواصم العربية – أجد نفسي كأني لم أغادر مصر. فاللهجة المصرية متداولة. والأطفال في أحياء مدن المغرب الشعبية.. يرددون على مسامعنا ما يحفظون من محاورات عادل إمام.. في أفلامه ومسرحياته.

وأنا هنا أقدم أمثلة سريعة أوقظ بها الذاكرة، ولو أصبحت لاحتجت لمراجع لا أملكها، وملأت بالأسماء وحدها مئات الصفحات. 

والآن؟ 

الآن لم يعد للكتاب المصري ما كان له من حضور؛، ليس في الأسواق الخارجية وحدها، بل حتى في الأسواق المحلية. والغياب ليس أمراً طارئاً، ولكنه أصبح وضعاً معتاداً.. لا يلفت النظر، ولا يدعو للتساؤل؛ كأنه بعد أن أصبح معتاداً صار طبيعياً.

وقبل أربعين عاماً من اليوم – وفي أعقاب الدورة الخامسة عشرة من معرض القاهرة الدولي للكتاب – خصصت هذه الصحيفة الغراء – «الأهرام» – عددين متتاليين من ملحقها الثقافي.. لمناقشة أزمة الكتاب، التي ردها المشاركون في المناقشة لضعف القدرة الشرائية، والأمية، وتراجع مستوى التعليم، وقوانين الاستيراد والتصدير. لكنهم لم يقتربوا من أسباب أخرى.. ربما كانت أشد وطأة!

وبعد مناقشة «الأهرام» للأزمة بعامين، أجرت مجلة «الغد» – المصرية – التي كانت تصدر وتختفي.. استفتاءً عن رأي المصريين في إنتاجهم الثقافي، اختارت له ألف مواطن.. من عدة مدن مصرية، يمثلون مختلف طبقات المجتمع. 

سألتهم عن أحسن فيلم شاهدوه، وأحسن مسرحية، وأحسن كتاب. فكانت إجاباتهم على هذا السؤال الأخير مضطربة إلى حد كبير، إذ صرَّح بعضهم.. بأنهم لم يقرأوا في ذلك العام (1984) كتاباً. ومنهم من تحدث عمن يقرأ لهم.. من المؤلفين. والنتيجة حصول نجيب محفوظ على المكان الأول بمائة وثمانية وثلاثين صوتاً؛ نالها من ألف صوت. ويليه الشيخ الشعراوي؟ ثم مصطفى محمود، ثم محمد حسين هيكل، ثم جمال حمدان. وأخيراً يأتي توفيق الحكيم؛ الذي نال واحداً وثلاثين صوتاً. وفي النهاية يأتي طه حسين.. الذي لم ينل إلا ثلاثة وعشرين صوتاً؟! 

فإذا أردنا أن نعرف ما حدث للثقافة المصرية.. في الأعوام الخمسين الأخيرة، فعلينا أن نتأمل نتيجة هذا الاستفتاء الكاشف.

وفي الوقت الذي كانت فيه كتب نجيب محفوظ، وعبد الرحمن الشرقاوي، ويوسف إدريس، ونصر حامد أبو زيد.. تصادر. كانت أحاديث الشعراوي، وكشك وأمثالهما.. توزع بعشرات الآلاف، وهكذا أصبح العياط رئيساً للجمهورية!

وأختم هذه المقالة، بما صرَّح به السيد وزير الثقافة.. عن الثقافة، وعن الكتاب المصري – في لقاء له ببرنامج «على مسؤوليتي»، الذي يقدمه الإعلامي أحمد موسى.. في قناة «صدى البلد» – قال سيادته: «إن الثقافة ليست الجرعة الفنية، ولكنها أسلوب حياة». 

أنا لم أفهم جيداً هذه العبارة، وأتمنى أن يتكرم السيد الوزير في شرحها لنا. 

أما الكتاب، فقد أشار السيد الوزير.. إلى الأسباب التي أدَّت إلى تراجع حركة النشر، وقلة عدد الكتب المطبوعة، فقال: إن أسعار الورق والحبر تضاعفت بشكل كبير.. خلال الفترة الأخيرة، وهو ما أثر على عملية طباعة الكتب. وأضاف أن هناك دراسة – تجري حالياً – لطباعة عدد محدود من الكتب.. عن طريق النشر الإلكتروني.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة