Times of Egypt

أسئلة حول مؤسسات صنع السلام

M.Adam
خالد عكاشة

خالد عكاشة

في محاضرة بمركز جنيف للسياسات الأمنية – في السادس من مايو الماضي 2025 – تحدث ريتشارد جوان.. الخبير في مجموعة الأزمات الدولية، عن المعضلات التي تواجه إدارة الصراعات في الأمم المتحدة، وطرح فيها عديداً من الأسئلة المهمة.. حول الدور الذي ما زالت الهيئات المتعددة الأطراف تستطيع أن تلعبه. وكان منطقياً أن يستعرض جوان الشعور الواسع بالضيق الذي يلف مدينة نيويورك بالخصوص، باعتبارها مدينة رئيسية لمقار تلك الهيئات المشار إليها.

أحد أسباب ذلك الغضب، هو التخفيضات الحادة.. التي أجرتها الإدارة الأمريكية الحالية في ميزانيات المنظمات الدولية، إلا أن الإحباط يعود عملياً.. إلى ما قبل عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض؛ فقد أعاقت المنافسة بين القوى الكبرى الأمم المتحدة في تقديم معالجات أو مقاربات مقبولة بشأن الحرب الروسية في أوكرانيا، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كما عقَّدت الدبلوماسية الدولية التوصل لحلول بشأن أزمات تبدأ من السودان، ولا تنتهي في ميانمار. لذلك تشكل توترات جيوسياسية مماثلة الآن النقاشات في هيئات مثل منظمة «حظر الأسلحة الكيميائية» و«منظمة الأمن والتعاون» في أوروبا، و«المحكمة الجنائية الدولية».

كما بدا أيضاً.. أن جهود إدارة النزاعات التي تقودها الأمم المتحدة، قد تعثرت إلى نحو كبير في حالات مثل هايتي واليمن، حيث يصعب إشراك الجماعات المسلحة في محادثات السلام، وغالباً ما تصعب المصالح الخارجية الأمور أمام الدبلوماسية الدولية من القيام بدور فعال.

وتضمنت تلك المحاضرة المهمة؛ أن عقد التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين كان فترة بناء مؤسسات في مجال الأمن الدولي، في حين يمر العالم الآن بمرحلة يطلق عليها الباحثان في العلاقات الدولية – «مالتي بروسيج» و«جون كارلسرود» – اسم «اللامؤسسية». حيث بدا أن غالبية الدول باتت تتجاوز القواعد الإجرائية الراسخة والمكرسة في المؤسسات الدولية في الاستجابة للنزاعات. وهنا كان جديراً بالإشارة إلى أن المنظمات متعددة الأطراف.. ليست عديمة الأهمية تماماً، فلا يزال للأمم المتحدة (60 ألف جندي) حفظ سلام.. منتشرين الآن حول العالم، لكن الحكومات تبدو متشككة في فعالية النظام المؤسسي لما بعد الحرب الباردة، وتميل اليوم إلى البحث عن بدائل. 

لهذا كان من المهم دق ناقوس الخطر؛ فمن السهل إبداء التذمر من أن العديد من الأمانات العامة الدولية غير فعالة، وأن العديد من مبادرات السلام متعددة الأطراف تبدو في طريقها إلى الضياع. لكن ليس من السهل أيضاً نسيان أن مجموعة أدوات إدارة النزاعات.. التي تأسست بعد الحرب الباردة، كانت لها أيضاً نقاط قوة مميزة، غالباً ما كانت تكتسب بشق الأنفس، فقد اكتسبت الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية خبرة في إدارة عمليات السلام، وفي الحالات التي يكون فيها طريق حل النزاعات محفوفاً بالمخاطر، قدمت مساعدات منقذة للحياة ومساعدات إنسانية طويلة الأمد للمدنيين المعرضين للخطر. 

وقد رسخت وكالات متخصصة مثل «منظمة حظر الأسلحة الكيميائية»، و«الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، مكانتها.. كجهة موثوقة على نطاق واسع، إن لم يكن عالمياً على النحو المرضي بشكل كامل، لكنه حافظ على الحد المقبول في تحديد الأطر الخاصة بالتزام الدول بمنع الانتشار. وحاولت – على ذات الدرب – وكالات حقوق الإنسان والمحاكم الدولية، غالباً.. دون القدرة الكاملة تطبيق القانون الدولي على النزاعات. وفي هذا، يقر الغالبية من الدبلوماسيين الدوليين.. أنه على الرغم من حالة التقشف الحاد لمؤسسات ما بعد الحرب الباردة، إلا أنه لا يؤخذ في الاعتبار ما فقد بسبب تراجعها.

مجموعة إدارة الأزمات، هذا المركز البحثي الشهير.. الذي يشير اسمه إلى تخصص عمله من خلال التعاطي مع الأزمات الدولية المختلفة، قام بالفعل عبر سنوات بتقديم مقاربات رصدية وتحليلية بالغة الأهمية، من خلال عمل أطقم خبيرة موجودة في غالبية مناطق الصراع والأزمات. 

قدمت المجموعة – في هذه المحاضرة – تقييماً واقعياً يعكس الحالة الراهنة لهذه القضية، جاء فيه بوضوح.. أنه على الرغم من هذا الإرث المؤسسي، يبدو أن الجيل الحالي من صانعي السلام الدوليين يميل بشكل متزايد ..إلى معالجة النزاعات دون الرجوع إلى الآليات الدولية القائمة؛ إلا قليلاً، أو دون الرجوع إليها إطلاقاً. وذلك غالباً لاعتقادهم بعدم جدوى هذه الآليات، ولأن المؤسسات المعنية ببساطة.. تتعرض لضغوط سياسية أو مالية شديدة، يصعب الاعتماد عليها.

لكن النتيجة هي أنهم يجدون صعوبة في ضمان استمرار اتفاقيات السلام، أو تقديم مساعدة مستدامة للفئات الضعيفة. وعرض ريتشارد جوان نظرة سريعة على تحليلات مجموعة الأزمات الدولية الأخيرة لمجموعة متنوعة من النزاعات، تكشف حقيقة تراجع المؤسسات الدولية وصعود البدائل المؤقتة، والصعوبات التي تترتب على ذلك. في حروب مثل تلك التي اندلعت في السودان مؤخراً، تتبعت مجموعة الأزمات الدولية.. كيف تم تهميش مبعوثي الأمم المتحدة المتعاقبين سياسياً، بينما حاولت هيئات أخرى التدخل. ومع ذلك، غالباً ما لا يقدم هؤلاء اللاعبون الجدد.. الكثير مقابل جهودهم. في حالة السودان كنموذج، حاول مسؤولون أفارقة ودبلوماسيون ومبعوثون أمريكيون وممثلون عن دول أوروبية مختلفة.. صنع السلام، إلا أنه «من غير الواضح، أي دولة أو مؤسسة.. يمكنها سد الفجوة الخارجية التي تمزق السودان الآن»!

هناك أدلة كافية، تظهر أن السعي وراء مبادرات السلام، ومحاولة تخفيف حدة الصراع دون دعم المؤسسات الرسمية الخاضعة للقواعد.. يسبب كثيراً من التعقيدات. لكن هذه الحقيقة العامة تأتي مع ثلاثة محاذير مهمة: 

أولها: أن هناك ظروفاً يفضل فيها النهج المرن على النهج المؤسسي، فقد يكون هذا النهج أسرع، أو قد يساعد على تجاوز المشاكل السياسية المتجذرة داخل المؤسسة. 

الثاني: هو أن الأطراف المعنية لا تنظر إلى مشاركة المؤسسات الدولية.. من منظور الكفاءة فحسب. بدلاً من ذلك، تحرك تفضيلاتهم حتماً اعتبارات سياسية.

الثالث: والأخطر، أنه في ظل الفوضى الدولية الراهنة، ترى العديد من الدول والجماعات المسلحة، مصلحة سياسية في تقليص دور المؤسسات الدولية في شؤونها. فبالنسبة لبعض أطراف النزاع، تشكل المؤسسات الرسمية قيداً على حريتهم في العمل. بينما يرى آخرون أن الهيئات متعددة الأطراف، التي يفترض أنها محايدة، لا تزال مجرد أدوات للولايات المتحدة وقوى عظمى أخرى.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة