زياد بهاء الدين
القوانين ليست نصوصاً عامة ومجردة، تنظم المجتمع وسلوك الناس.. فقط.
هذا تعريف «قانوني» محض.
ولكن من المنظور الاجتماعي، فإن القانون هو وسيلة المجتمع.. في التعبير عن السياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها. ولهذا، فهو ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لتحقيق أهداف وسياسات معينة. ومن هنا، فإن التشريع الأفضل.. ليس الذي تكون صياغته بليغة، أو نصوصه محكمة.. فقط. ولكن الأهم، أن يكون معبِّراً عن سياسة سليمة، وأن يعبر عنها بشكل منضبط.
هذه مقدمة – ربما طويلة – لوصف المشكلة التي وقعنا فيها.. مع التعديل الأخير لقانون الإيجارات، الذي تسبَّب في الكثير من الحيرة، والاضطراب، والقلق.. لدى الناس؛ سواء ملاك أو مستأجرون.
سبب هذا الاضطراب التشريعي، ليس صعوبة الموضوع، ولا تعارض مصالح أطرافه.. فهذه طبيعة القوانين التي تضبط العلاقات في المجتمع، وتنظم الحقوق والواجبات المتبادلة. السبب – في تقديري – هو غياب سياسة اجتماعية واقتصادية واضحة المعالم، يعبر عنها القانون؛ ما جعله يعبر عن مواءمات وتوازنات.. بعضها غير دقيق، بدلاً من التعبير عن فكرة متسقة مع ذاتها. ولنعُد إلى المحطات الرئيسية التي مرَّ بها القانون خلال العام الماضي.. لتوضيح ذلك:
المحطة الأولى، كانت صدور حكم المحكمة الدستورية العليا في نهاية العام الماضي، بعدم دستورية نظام تثبيت أجرة العقارات المؤجرة، والمعمول به على الأقل من ستينيات القرن الماضي. ولكن حرصاً من المحكمة.. على تجنُّب الفوضى، فقد منحت البرلمان حتى نهاية الفصل التشريعي الحالي.. كي يملأ هذا الفراغ. ولكن للأسف، فإن الحكومة تأخرت في التقدم بمشروع قانون.. حتى أبريل من هذا العام، ما جعل مناقشته تأتي متعجلة و«مضغوطة» بلا داعٍ.
المحطة الثانية، كانت مشروع القانون المقدم من الحكومة، الذي وضع قاعدة (أو مسطرة) واحدة.. للتعامل مع ظاهرة معقدة، وقدم لها حلاً واحداً غير مدروس، ولا يستند لفلسفة أو منطق اجتماعي محدد، فضلاً عن أنه لم يستند لدراسات أو إحصاءات سليمة.. تحدد المشكلة، والحالات المتأثرة بها، وتنوعها.
أما المحطة الثالثة، فكانت المناقشات البرلمانية.. التي أشعلت الأجواء حماساً؛ خاصة حينما وقف البرلمان ضد مشروع القانون، ورفض إقراره، وطلب من الحكومة تقديم دراساتها وبياناتها. ثم بعد 24 ساعة، عدل نواب البرلمان (ما عدا عشرين نائباً ونائبة فقط).. عن موقفهم بالكامل، وأقروا القانون بشبه الإجماع.
ثم نأتي للمحطة الرابعة، التي حاولت فيها الحكومة طمأنة الناس.. بالوعد بحماية من يستحقون الرعاية، وتوفير مساكن بديلة، ومقترحات أخرى غير واضحة. وشخصياً، أجدها غير مقنعة، كما أنها ستكون محلاً لمنازعات وخلافات جديدة، وأظن أن هذه «التطمينات».. قد زادت من الغموض والاضطراب لدى الجميع.
ثم وصلنا مؤخراً للمحطة الخامسة، على أرض الواقع؛ حيث بدأ بعض الملاك ومحاموهم.. بتوجيه إنذارات للمستأجرين.. بزيادة الأجرة أو تسليم العقار. وهم يستندون في ذلك إلى أن الحكم الدستوري.. ألغى – بالفعل – مبدأ تثبيت الأجرة، بينما القانون الجديد لم يصدر بعد، وبالتالي فهناك فرصة متاحة لإخلاء العقار المؤجر.
وهذا يأخذنا للمحطة السادسة، وهي أن القانون – الذي أقره البرلمان – لن يكون نافذاً وفقاً للدستور.. إلا بعد تصديق السيد رئيس الجمهورية عليه.. خلال شهر، ونشره في الجريدة الرسمية. وقد اقتربنا من نهاية الشهر، ولم يُنشر القانون بعد.. ما أثار المزيد من الحيرة والاضطراب.
الخلاصة، أن هذا القانون المهم والخلافي.. لا يزال مصدراً للقلق والاضطراب في البلد، وأنه حتى لو صدر نهائياً.. خلال الأيام القادمة، فأظن أنه سيثير من المشاكل.. أكثر مما سوف يحل، وبالتالي سوف يحتاج للمزيد من المراجعة والتعديل.
التشريع ليس نصوصاً أنيقة، ولا تعبيرات فاخرة، بل أفكار ورؤى وسياسات منضبطة.. يجب أن تتوافر أولاً، ثم يجرى التعبير عنها بعد ذلك في قوالب تشريعية.
نقلاً عن «المصري اليوم»