عمرو الشوبكي
لم تعرف مصر – منذ تأسيس نظامها الجمهوري – تداولاً سلمياً للسلطة، وكان الثابت المشترك بين كل نظمها.. هو غياب الديمقراطية الكاملة. ولكن كل عهد.. عرف مساحة «منورة»؛ فرغم أن عهد الزعيم عبد الناصر.. عرف نظام الحزب الواحد، وغابت عنه التعددية السياسية، ودولة القانون، والديمقراطية، كانت هناك عدالة اجتماعية، وكانت أهم تجربة تصنيع في تاريخ مصر المعاصر، وقادت مصر حركات التحرر الوطني، وحضرت ثقافياً وسياسياً في محيطها العربي والعالم.. بصورة غير مسبوقة.
وفي عهد الرئيس السادات، عادت التعددية السياسية والحزبية، ولاحت من بعيد بوارق الديمقراطية، واستعادت مصر سيادتها على سيناء.. باتفاق تسوية غير شاملة مع إسرائيل، لكن ظهرت بدايات التفاوت الاجتماعي في البلاد، ومظاهر للرأسمالية غير المنتجة.
وجاء عهد الرئيس مبارك.. الذي اتسم بالتسامح مع المعارضة، واتساع هامش حرية الصحافة والتعبير، وبُنيت قاعدة صناعية رأسمالية منتجة، لكن ظل البقاء الطويل لمبارك في السلطة، مع مشروع التوريث.. سبباً في اعتراض الكثيرين على سياساته.
كل هذه النظم – التي تراوحت بين الاشتراكية والرأسمالية، وبين التعددية الحزبية المقيدة والحزب الواحد – كانت الانتخابات فيها.. حدثاً قومياً، يهتم به الناس، ويشاركون فيه بحماسة؛ إما لأسباب سياسية، أو عائلية، أو دفاعاً عن مرشح «ابن بلد»، أو نائب خدمات.. لم يكن يعجبنا وقتها، لكنه كان ينجح بدعم قطاع من الناس، والتفافهم حول «جدعنته»، أو لأنه موجود في الأفراح وفي واجبات العزاء، لا أن يهبط عليهم بماله.. ويصبح نائباً وهو في بيته.
كان المواطن يشعر في الانتخابات التي جرت طوال عهد مبارك (باستثناء انتخابات 2010 التي سبقت ثورة يناير).. أنه يختار مرشحه وينتخب؛ حتى لو كان يعلم أن البرلمان لن يغير حكومة، ولن يسحب الثقة من وزير.
لا أحد يختلف.. على أن قاعدة العملية الانتخابية في مصر – منذ إعلان نظام التعددية المقيدة في 1976 – قامت على ضمان أغلبية الثلثين.. لحزب الدولة الحاكم، وهو ما لم يحُل دون وجود انتخابات تنافسية.. وفق النظام الفردي. وفي المرات التي اعتُمد فيها النظام المختلط – أي نظام القوائم النسبية والفردي – كانت أيضاً تشهد منافسات حامية.. جذبت قطاعاً واسعاً من المواطنين؛ على أساس حزبي وسياسي، أو تنافس بين عائلات.. في كثير من القرى والنجوع. إن الأغلبية المضمونة في الانتخابات التشريعية لأحزاب الدولة والموالاة، لم تحُل طوال الفترة الماضية.. دون أن تكون هناك انتخابات تنافسية، تجذب المواطنين للمشاركة في العملية السياسية والانتخابية، وتعوض ضعف الأحزاب وغياب المحليات.
أخطر ما يجري حالياً – مع دخول «موسم الانتخابات» – أن المواطن بات غير مهتمٍ بالعملية الانتخابية، وأن ثقته في جدواها.. تراجعت بصورة واضحة، وهو أمر مقلق؛ لأن المفروض أن الانتخابات تكون فرصة.. لكي يُخرج الناس قناعاتهم – حتى لو كانت خاطئة – وتظهر على السطح، وفي العلن.
نقلاً عن «المصري اليوم«