عبد القادر شهيب
منذ أن رشحته مجموعة من نواب النرويج والسويد.. لنيل جائزة نوبل للسلام، والرئيس الأمريكي
دونالد ترامب، لا يُخفي رغبته الشديدة – وشغفه الكبير – للحصول على هذه الجائزة.. التي تُعد
بلاده أمريكا الأكثر حصولاً عليها، منذ أن بدأت تُمنح عام 1901 بشكل منتظم سنوياً، باستثناء
سنوات الحرب العالمية الأولى والثانية، ليبلغ عدد مرات منحها نحو 105 مرات، لنحو 142
فائزاً بها، حيث تقاسمها أكثر من واحد أحياناً؛ كما حصل عليها الرئيس الأسبق السادات (مناصفة
مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن).
وإذا كانت إعضاء مجموعة نواب النرويج والسويد.. استندوا في ترشيحهم لترامب، إلى الاتفاقات
الإبراهيمية.. التي وُقعت تحت رعايته لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية
(الإمارات والمغرب والسودان والبحرين)، وتطبيع العلاقات أيضاً.. بين أمريكا وكوريا الشمالية،
فإن ترامب شخصياً.. يقدم نفسه – للقائمين على هذه الجائزة – بوصفه صانع سلام في العالم كله؛
حيث يقول إنه أطفأ نيران الحرب بين الهند وباكستان، وأوقف حرب إسرائيل وإيران.. بعد أقل
من أسبوعين، ويسعى الآن للوصول إلى هدنة في غزة – بين حكومة نتنياهو وحماس – لوقف
إطلاق النار، والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين في غزة، وعودة تدفق المساعدات لأهالي
غزة. كما يسعى إلى وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، وإنهاء الحرب بينهما، ويمارس
الآن ضغوطا على الرئيس الروسي بوتين.. لإيقاف تلك الحرب. ويقارن ترامب نفسه بالرئيس
الأمريكي الأسبق أوباما، وقال: إن أوباما حصل – في بداية حكمه – على جائزة نوبل، أما أنا فلم
أحصل عليها.. رغم ما فعلت!
وربما يقول ترامب بعد ذلك، إن أوباما حصل على جائزة نوبل للسلام وبعدها انتهج سياسة تهديد
السلام في العالم، وهي سياسة تغيير الأنظمة السياسية في منطقتنا من الخارج، التي مازالت دول
بالمنطقة تدفع ثمنها.. من استقرارها ووحدة أراضيها؛ كما نشاهد في سوريا وليبيا والسودان..
التي تُعد أكثر الدول معاناة الآن؛ لافتقادها الاستقرار والأمن والسلام!
ولأن ترامب يعرف أنه ليس المرشح الوحيد لهذه الجائزة، وأنه ينافسه مرشحون آخرون
كثيرون، ربما يقترب عددهم من الثلاثمائة.. كما حدث العام الماضي، فإنه يلح على قادة الدول
لتزكيته؛ كما فعل نتنياهو.. حينما زاره مؤخراً في واشنطن. وكما طلب ترامب ذاته.. من قادة
خمس دول أفريقية.. زاروه أيضاً مؤخراً في واشنطن، ولم يتحرج أن يطلب منهم ذلك ؛رغم
تعامله معهم باستعلاء مهين، وبدا الأمر وكأنه – للأسف الشديد – يأمرهم بذلك!
وبالطبع، فإن ترامب لا يطلب في هذه الجائزة قيمتها المالية.. وهو أحد أثرياء أمريكا الكبار، لكنه
يتطلع إلى قيمتها الأدبية والرمزية. فهو الحريص على الإشادة بنفسه في كل مناسبة، ومقارنة
ذاته.. بقادة أمريكا الآخرين؛ سواء الديمقراطيون أو الجمهوريون، ويعتبر نفسه الأفضل
والأذكي، والأبرع والأكثر مهارة.. والأشجع أيضاً!
إنه رجل يبحث عن التكريم هنا، ولا يبحث عن المال بالطبع. والتكريم العالمي، وليس التكريم
الأمريكي فقط. إنه يتطلع أن يصير واحداً من الشخصيات العالمية المهمة، التي تحظى بالتقدير
على أعلى المستويات في العالم كله، وليس في أمريكا وحدها، انطلاقا من إحساسه المتضخم جدا
بالذات.
وإذا نجحت جهود ترامب، ونال الجائزة التي يكافح الآن للحصول عليها، فماذا سيحدث؟.. هل
سيتغير شيء لأمريكا أو في العالم؟
الأرجح لا، لن يتغير شيء. سوف يمضي ترامب في قيادة أمريكا.. بنفس النهج والأسلوب
والسياسات. وسوف يظل مساعدوه يصفقون له، ويشيدون بعبقريته وحكمته، وقراراته السديدة،
ويؤكدون – كما يروج ترامب نفسه الآن – أن أمريكا في بضعة أشهر قليلة.. عادت عظيمة،
يهابها العالم كله.
لم يتحدث أحد من مساعديه.. عن أضرار الحرب التجارية التي انهمك في إدارتها ضد العالم كله،
وليس الصين وحدها، مما ينذر بإغراق العالم في أزمة اقتصادية كبيرة ضخمة، عنوانها الأساسي
مزيد من التضخم، ومزيد من تراجع معدلات النمو، واختناقات في السلاسل التجارية.
وسيظل الفلسطينيون يبحثون عن تحررهم من الاحتلال البغيض، وإقامة دولتهم المستقلة التي
ينكرها عليهم ترامب!
نقلاً عن «أخبار اليوم«