Times of Egypt

لماذا تستحق مصر نموذجاً اقتصادياً جديداً؟

M.Adam

حسين شكري

عدت إلى العمل في مصر – بعد رحلة عمل في الخارج امتدت 17 عاماً؛ قضيت معظمها في
نيويورك.. أعمل في بنك الاستثمار، المعروف مورجان ستانلي – وجاءت عودتي، بعد وقت
قليل.. من توقيع الحكومة المصرية حينئذ (برئاسة الدكتور عاطف صدقي).. اتفاقاً مع صندوق
النقد الدولي عام 1991 – بعد الاتفاقيتين اللتين تم توقيعهما في عامي 1977 و1987 – لتنفيذ
برنامج للإصلاح الاقتصادي؛ كانت ملامحه الرئيسية لا تختلف كثيراً عما يطلبه الآن.. مثل
تمكين القطاع الخاص.
… تنفيذ برنامج لخصخصة شركات القطاع العام (قطاع الأعمال لاحقاً)، وتخفيض الدعم، واتباع
سياسة نقدية مرنة وتحرير سعر الصرف، وبالفعل تم تخفيض الجنيه أمام الدولار إلى 3.40 –
كان سعره وقتها في البنك 2 جنيه/دولار و3 جنيهات/دولار في السوق الموازية – ثم جرى
تخفيضه تدريجياً.. بتعويم نسبي إلى سعر 4.5 جنيه للدولار عام 2000.
توالت الاتفاقات مع الصندوق – في أعوام 2016 و2020 و2022 – في إطار تنفيذ برامج
لإصلاح الاقتصاد المصري، وأصبحت مصر ثاني أكبر مقترض في العالم من الصندوق (بعد
الأرجنتين)، وإن ظلت توصيات الصندوق تقريباً واحدةً.. في هذه الاتفاقات؛ أهمها تمكين القطاع
الخاص من العملية الإنتاجية، تشجيع الصادرات، زيادة وتشجيع الاستثمارات المباشرة.. المحلية
والأجنبية، وتقليص عجز الموازنة العامة والحساب الجاري، وتخفيض الدين العام الداخلي
والخارجي، واتباع سياسة نقدية مرنة تستهدف التضخم، وليس سعر الصرف.. الذي يبلغ الآن
50 جنيهاً للدولار.
ومن البديهي، أن يسأل قارئ هذا المقال.. لماذا احتاجت مصر كل هذه الاتفاقات مع الصندوق،
ولماذا ما زالت تطبق برنامجاً للإصلاح الاقتصادي.. بعد كل هذه السنين؟
دأبت مصر على تنفيذ أجزاء من هذه البرامج – التي هي في واقع الحال في صالح مصر – وليس
كلها؛ ربما نتيجة عدم الاقتناع بجدوى هذه السياسات، أو لتكلفتها الاجتماعية.. على محدودي
الدخل. ولذلك تعود بعد فترة من التعافي، لتطبق نفس السياسات المالية والنقدية التي سببت لها

المشاكل مراراً وتكراراً؛ مثل تثبيت سعر الصرف – الذي ينتج عنه وجود نقص في العملة
الأجنبية – وسعر صرف موازٍ.. خارج الجهاز المصرفي، ومن ثم يتجدد العجز الزائد في
الموازنة العامة، والتوسع في الإصدار النقدي، والعجز في الحساب الجاري، تضخم في الدين
العام الداخلي والخارجي.
طرأ بعض التحسن مؤخراً؛ حيث تمكن البنك المركزي – بعد عدة سنوات، بقيادة محافظه القدير

  • أن يطبق ببراعة سياسة نقدية سليمة ومرنة، أسفرت عن توحيد سعر الصرف، وتكوين
    احتياطي للنقد الأجنبي.. يقترب من 50 مليار دولار، أصبح متوفراً في الجهاز المصرفي.
    كذلك، هناك بعض التحسن في الصادرات غير البترولية، وإن كان لا يزال الطريق طويلاً..
    لنصل إلى حجم الصادرات المستهدف الذي أعلنته الحكومة، وهو 100 مليار دولار.
    ماذا يتبقى لنا عمله.. للانتهاء من الإصلاح الاقتصادي؟
    أولاً: السيطرة على الدين العام الداخلي عن طريق الاستمرار في محاربة التضخم، حتى يتمكن
    البنك المركزي من تخفيض سعر الفائدة، وبالتالي تخفيض عبء خدمة الدين، ضبط الإنفاق العام
    وتقليص العجز في الموازنة العامة.
    ثانياً: الحد من الاقتراض الخارجي.. إلا في الحالات القصوى، وهيكلة الدين الخارجي..
    بإصدارات ذات استحقاقات أطول.
    ثالثاً: تشجيع الصادرات غير البترولية، والنمو الذي طرأ على صادرات الحاصلات الزراعية..
    خير دليل أنه يمكن أن نتوسع في ذلك، عن طريق تبسيط الإجراءات، ومحاربة الروتين، وضع
    سياسة صناعية واضحة.. تستهدف مساعدة الصناعات؛ التي تملك مصر فيها ميزة نسبية،
    وتتضمن مكوناً محلياً مرتفعاً.
    رابعاً: خروج الدولة من العملية الإنتاجية تماماً، من خلال شركاتها المختلفة؛ فمزاحمة الدولة
    للقطاع الخاص.. أكبر معوق لجذب الاستثمارات الخارجية. فقد استقبلت مصر 46 مليار دولار
    صافي استثمارات أجنبية مباشرة في العام المالي 2023/2024، تمثل 8.8% من حجم الناتج
    القومي (إذا ما استبعدنا الاستثمار المباشر في مشروع رأس الحكمة)، وهذه النسبة ضئيلة جداً..
    لا تتناسب مع حجم مصر وعدد سكانها. (بلغت هذه النسبة 3.1% في العام المالي 2022/2023،
    و2.1% في 2021/2022، و1.2% في 2020/2021.

فالمهم هنا، أن نعمل على خلق بيئة استثمارية جاذبة.. تشجع على الاستثمار. وفي هذا الصدد
أثني على مبادرة وزير الاستثمار المهندس حسن الخطيب.. في توحيد الرسوم والضرائب – التي
يدفعها المستثمر – وتحصيلها من خلال جهة حكومية واحدة.
وفي إطار تحسين بيئة الاستثمار، أنصح أن يتم اختصار الوقت الذي يتطلبه الحصول على
الموافقات الأمنية.. لكل استثمار أجنبي يدخل مصر، وهو ما يستغرق – في الوقت الحالي –
شهوراً.. قد تصل إلى عام.
إن كل دولار يأتي إلى مصر – في شكل استثمار أجنبي مباشر- يُعادل دولاراً أقل في.. ما يجب
أن نقترضه من الخارج، وينطبق نفس الشيء على حصيلة الصادرات؛ فهما الذراعان اللذان
يجب أن نعمل على تنميتهما.. لتخفيض الدين الخارجي؛ الأمر الذي يدعم أمننا القومي، ويمكننا
من الانتهاء من عملية الإصلاح الاقتصادي.. التي ما زالت مستمرة بعد أكثر من 35 عاماً،
لينطلق الاقتصاد المصري لآفاق أعلى، يستحقها ويحقق الرخاء للمواطن المصري.
نقلاً عن «الشروق»

شارك هذه المقالة