Times of Egypt

البريكس وإصلاح معمار النظام العالمي (1/2)

M.Adam
سمير مرقص 

سمير مرقص
تنادى المشاركون في قمة دول البريكس – التي انعقدت يومَي 6 و7 يوليو الماضي، بمدينة ريو
دي جانيرو البرازيلية – من خلال بيانهم الختامي، إلى ضرورة إجراء «إصلاح الحوكمة
العالمية.. من خلال تعزيز نظام دولي متعدد الأطراف؛ أكثر عدلاً وإنصافاً ومرونة، وفاعلية
وكفاءة واستجابة، وتمثيلاً وشرعية وديمقراطية ومساءلة، … وتدعيم التضامن والاحترام
المتبادل والعدالة والمساواة«.
ويؤكد المحللون والمراقبون.. أن ما دار من نقاشات، وما خلص إليه المجتمعون – في القمة الـ17
للبريكس – يجب أن يؤخذ باهتمام وعناية بالغين؛ لما باتت تكتسبه هذه المجموعة من قوة، ليس
فقط بسبب عضويتها المتزايدة، وإنما بسبب ما تمثله اقتصادياً وسكانياً وتأثيراً دولياً، في عالم
اليوم، ومن ثم فاعليتها على المسرح الدولي.
وللتذكير فقط، نستعرض المسار التاريخي لمجموعة البريكس، لفهم كيف تطورت المجموعة
وكيف تنامى تأثيرها خلال ربع قرن. بداية تأسست مجموعة دول بريكس على مرحلتين:
المرحلة الأولى: في عام 2006 من الدول الأربع: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، حيث
عقدوا اجتماعهم الأول – على هامش المناقشات العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة آنذاك – تحت
اسم BRIC (حسب ترتيب الأحرف الأولى للدول الأربع اللغة الإنجليزية).
توالت الاجتماعات التمهيدية – ذات الطابع الحواري الاستراتيجي – لبحث كيف يمكن العمل معاً
من أجل؛ أولاً: إصلاح النظام الاقتصادي العالمي، وتصويب مسار مؤسساته المالية، ومن ثم
ثانياً: كيف يمكن تأسيس آلية للعمل المشترك، تحسن من أداءات المنظومة الدولية ومؤسساتها
الأممية المختلفة، وثالثاً: فتح المجال لحضور فعال للدول النامية، وإتاحة الفرصة أمامها كي
تسهم – بكل ديمقراطية – في مناقشة شؤون العالم، بحيث لا تستأثر بها قوى بعينها.
وما أن بلورت الاجتماعات التمهيدية تصوراً جامعاً، دعت روسيا إلى اجتماع في يونيو عام
2009؛ لإعلان تأسيس؛ أولاً «البريك». ثم بدأت المرحلة الثانية، فلم يمر إلا أقل من عام ونصف

العام، حتى لحقت جنوب أفريقيا بالدول الأربع المؤسسة، ليضاف حرف«S»؛ إلى الـ«بريك»
ليصبح «بريكس«BRICS .
لم يكن تجمع الـ«بريكس» مجرد مجموعة للتباحث في العلاقات الدولية، أو منتدى للتلاقي الثقافي
والحوار، بل حرص المؤسسون – منذ اليوم الأول – على الاشتباك الجدي مع جوهر النظام
الاقتصادي.. السائد منذ الحرب العالمية الثانية ــ ومحطاته المتعاقبة على مدى ما يقرب من سبعة
عقود ــ ومؤسساته الدولية. في هذا السياق، تمت الدعوة ــ مبكراً في 2009 ــ إلى ضرورة وجود
عملة احتياطية عالمية جديدة، تتسم بالاستقرار، والقدرة على التحكم.. بعيداً عن المركز الغربي
الرأسمالي التاريخي.
وقبل بلوغ منتصف العقد الثاني من القرن الحالي، اتفقت الدول الخمس المؤسسة على ضرورة
إنشاء كيان مالي دولي جديد، ليكون بمثابة بنك تنمية خاص بدول ال «بريكس» ودول الجنوب
باسم: «بنك التنمية الجديد« (يقدَّر رأس مال البنك، وقت التأسيس، بـ100 مليار دولار. كما أن
هناك صندوقاً احتياطياً يقدر أيضاً بنفس القيمة 100 مليار دولار). وتوالت المشروعات
المشتركة في مجالات: تكنولوجيا الاتصالات، والصحة، وتبادل المعلومات على جميع الأصعدة،
والذكاء الاصطناعي، والتنمية المستدامة والطاقة النظيفة، والبنية التحتية، …، إلخ. وبداية من
اجتماع القمة الـ15 للبريكس عام 2023، بدأ التوسع في عضوية التجمع؛ إذ انضمت كل من:
مصر، والإمارات العربية المتحدة، وإيران، وإثيوبيا، وإندونيسيا إلى دول الـمجموعة.
هكذا – وخلال أقل من عشرين سنة من 2006 إلى 2025 – أصبحت الـ «بريكس» ــ حسب
إحدى الدراسات نصاً ــ «قوة اقتصادية ضخمة، وتكتلاً اقتصادياً وسياسياً جاذباً لكثير من دول
الجنوب العالمي، أو الدول ذات الأسواق الناشئة». وبالفعل، فإن أي مراجع أو باحث للوزن
الفعلي لتجمع الـ«بريكس» البازغ، سوف يدرك أنه أمام مجموعة دول تمثل إجمالاً:
أولاً: ما يقارب نصف سكان العالم.
وثانياً: ما يناهز 40% من الاقتصاد العالمي.
إذ إن حجم التبادل التجاري بين الدول الأعضاء ــ في صورته الراهنة ــ يتجاوز التريليون
دولار. كما تقدر بعض الدراسات الاقتصادية تعتبر القوة الشرائية لتلك الدول.. تعادل القوة
الشرائية للدول السبع الكبار. كما تتحكم منظومة دول الـ«بريكس» في:

أولاً: 40% من إنتاج النفط العالمي.
وثانياً: ثلاثة أرباع المعادن الثمينة. ويشار في هذا الإطار، إلى حماسة كبيرة أبدتها كثير من
الدول بطلب الانضمام لعضوية الـ «بريكس» من مختلف القارات؛ مثلاً: من أوراسيا: بيلاروس
وكازاخستان وأوزبكستان. ومن آسيا: ماليزيا وتايلاند وفيتنام. ومن أمريكا الجنوبية: بوليفيا،
وكوبا. ومن أفريقيا: أوغندا.
أدَّى هذا الحماس اللافت للانضمام إلى عضوية الـ«بريكس».. بالرئيس فلاديمير بوتين، للقول
بوضوح إن: «الهدف من تأسيس بريكس، هو الدفع نحو إعادة صياغة النظام العالمي الجديد،
ليكون أكثر تعددية من جهة، ولضمان أن يكون أكثر عدالة من جهة أخرى».
ويُعد تزايد الطلب على عضوية البريكس – في نظر كثير من المحللين – محاولة للتحرر من
القيود الاقتصادية والسياسية؛ التي فرضها ما يمكن أن نطلق عليه «الشمال الغربي المركزي
التاريخي» على «الجنوب العالمي الواسع».. الذي يضم العديد من ألوان الطيف الاقتصادية
والسياسية والثقافية. كذلك فرصة..كما ورد في البيان الختامي الصادر عن القمة الـ17 في مطلع
يوليو الجاري، ما نصه: «نؤكد مجدداً الحاجة الملحة لإصلاح مؤسسات بريتون وودز (نسبة إلى
اتفاقية بريتون وودز، التي وقعت في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1944، ووضعت أسس
النظام الاقتصادي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية)، ووفقها تم تأسيس صندوق النقد الدولي،
والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة التجارة العالمية.. لجعلها أكثر مرونة وفاعلية
ومصداقية وشمولاً، وملاءمة لما تأسست من أجله، وما وضعته من أهداف، وحيادية ومساءلة
وتمثيلاً، مما يعزز شرعيتها. وأولاً وقبل كل شيء، يجب عليها إصلاح هيكل حوكمتها ليعكس
التحول الذي شهده الاقتصاد العالمي منذ إنشائها. كما يجب أن يعكس صوت وتمثيل الاقتصادات
الناشئة والنامية في مؤسسات بريتون وودز، ووزنها المتزايد في الاقتصاد العالمي«.
في ضوء المسيرة المهمة ــ التاريخية ــ لتجمع بريكس، يثور جدل جدير بالمتابعة.. حول
مستقبله، ومدى قدرته على إصلاح المعمار الدولي الاقتصادي/المالي والسياسي.. غير العادل
وتلبية تطلعات الجنوب العالمي؟ وما ردة فعل الشمال المركزي الغربي؟ وهل سينجح فيما فشلت
فيه التكتلات الجنوبية التاريخية؟…نتابع…
نقلاً عن «الأهرام«

شارك هذه المقالة