Times of Egypt

إيران.. والفرق بين التكتيكي والاستراتيجي 

M.Adam

عماد الدين حسين 

هل أخطأت إيران بحق العرب منذ عام 1979 حتى الآن؟ 
الإجابة هي: نعم، والخطأ كان كبيراً، وما يزال بعضه مستمراً.. حتى الآن. 

 السؤال الثاني: هل معنى ذلك أن ينحاز العرب لإسرائيل، وهي تعتدي على إيران؟  
الإجابة القاطعة هي: لا، ليس حباً في إيران، لكن لأن ذلك سيعني دخول كل المنطقة في العصر الإسرائيلي. وحسناً فعلت دول الخليج، حينما أدانت العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران، رغم خلافاتها المعروفة معها. 

إيران الشاه.. كانت رأس حربة الغرب في السيطرة على المنطقة؛ منذ الانقلاب على الحكم الوطني لمحمد مصدق عام 1951.. الذي أمَّم النفط، فتآمر عليه الغرب وأسقطه، وصار الشاه محمد رضا بهلوي.. هو شرطي الغرب في المنطقة. الثورة الشعبية أسقطت الشاه في فبراير 1979، وبدلاً من وجود حكم شعبي ديمقراطي حقيقي، تمكن آية اللّٰه الخميني ورجال الدين.. من السيطرة على الحكم، فنفوا وسجنوا وقتلوا.. كل من شارك معهم في إسقاط الشاه.. من القوى الديمقراطية والعلمانية والشعبية. 

 استبشر العرب خيراً، بأن تساندهم إيران الجديدة.. في كفاحهم ضد إسرائيل؛ خصوصاً بعد أن قطعوا علاقتهم مع تل أبيب، وسلموا سفارتها في طهران.. لمنظمة التحرير الفلسطينية. 

لكن – وبعيداً عن الشعارات المرفوعة – فإن إيران الجديدة حاولت تطبيق مفهوم «تصدير الثورة»، ثم دخلت في حرب دامية مع العراق لمدة 8 سنوات، استنزفت شباب وثروات وموارد البلدين.. بدعم كامل من الغرب وإسرائيل. 

 أخطأت إيران الخميني، وأخطأ عراق صدام.. في هذه الحرب العبثية. وحينما توقفت الحرب، وقال الخميني قولته الشهيرة: «مستعد أن أتجرع السم».. في إشارة لوقف الحرب مع العراق، فإن صدام حسين أخطأ أكثر، وغزا بعدها الكويت.. في 2 أغسطس 1990. 

نعرف أن أمريكا شكلت تحالفاً دولياً.. لإخراج صدام من الكويت، وحصاره واستنزافه، ثم غزو العراق عام 2003. هذا الغزو، استفادت منه – في المقام الأول – إسرائيل، التي تخلصت من هاجس الجيش العراقي القوي. لكن المستفيد الفعلي.. ثبت أنه إيران، التي هيمنت على العراق؛ بحكم أنها كانت الداعم الأكبر للقوى المعارضة، التي عادت للعراق على الدبابات الأمريكية. 

للأسف، فإن إيران – بدلاً من أن تمد يدها للعرب، وتقيم معهم علاقات طيبة على قاعدة الاحترام والمصالح المشتركة – عملت على اختراق عدد كبير من الدول العربية المهمة، وتباهت بأنها تسيطر على القرار.. في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة. 

 وفي لحظات فارقة، فإن الدعم والسلاح – الذي قدمته إيران لحلفائها – لم يوجه فقط ضد إسرائيل، بل لعب دوراً مهماً في السيطرة على القرار.. في هذه البلدان. وبسبب الضغوط الإيرانية على الخليج، فإن أمريكا – وقوى دولية أخرى – طرحت نفسها حامياً ومدافعاً عن بعض الدول العربية.. من الخطر الإيراني.  

ما سبق، هو واقع الحال في المنطقة العربية منذ عام 1979.. حتى لو احتجت إيران، وقالت إنها كانت تريد تكوين جبهة مقاومة.. ضد «الشيطان الأكبر والأصغر» – أي أمريكا وإسرائيل – لكن واقع الحال العملي يقول: إن طهران استغلت الورقة الطائفية.. لتحقيق أحلام قومية فارسية. 

مرةً أخرى – ورغم كل ما سبق – فإن الخلافات العربية مع إيران، ينبغي ألا تصل إطلاقاً.. إلى تمني هزيمتها أمام إسرائيل والولايات المتحدة؛ ليس حباً في إيران، وتماهياً مع سياستها.. بل لأن حدوث ذلك سيعني – ببساطة – أن إسرائيل ستتحول إلى الشرطي الرسمي (المعتمد) للهيمنة على المنطقة، بل تقريب تحقيق حلمها التلمودي.. في دولة من النيل للفرات. 

 لنختلف – كعرب – حول ما نشاء.. مع إيران، لكن لا نتمنى لها الانكسار أمام الصهاينة. القضية ليست من يحكمون في إيران، لأن حدوث ذلك سيعني أن نتنياهو – وبن غفير وسموتريتش.. وبقية متطرفي إسرائيل، ومعهم المتطرفون في واشنطن – الذين سيحكمون المنطقة فعلياً. 

 علينا كعرب، أن نتذكر أن بعضنا ظن – ذات يوم – أن سقوط صدام حسين سينهي كل المشاكل، ثم اكتشفنا أن أمريكا.. سلمت العراق – وقتها – إلى إيران. 

 ينبغي أن تدرك إيران.. أن مصلحتها الفعلية، هي إقامة علاقات طيبة مع جيرانها العرب.. على أساس حسن الجوار، والمصالح المشتركة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وأن تعود إيران دولةً عاديةً.. صديقةً للعرب، وليست راغبةً في الهيمنة عليهم. 

 لنختلف كعرب – كما نشاء – مع السياسات الإيرانية تكتيكياً، لكن حذارِ من تمني انتصار إسرائيل عليها. 

 حدوث ذلك خطر كبير على الأمن القومي العربي.. أفراداً ودولاً وشعوباً. 

نقلاً عن «الشروق» 

شارك هذه المقالة