Times of Egypt

ديكتاتورية الصفحة

M.Adam
أمينة خيري  

أمينة خيري


بينما العالم يحاول فك لوغاريتمات موقف في صراع الشرق الأوسط؛ والوصول إلى من انتصر، ومن انهزم، ومن خدع، ومن انخدع.. يستمر البعض في اعتبار السوشيال ميديا أرض معركة لا تقل غموضاً والتباساً وعنفاً وغموضاً عن تلك الدائرة حولنا.
واستكمالاً لما كتبت عن مخاطبة البعض على أثير السوشيال ميديا للآخرين.. بـ«المغفل» و«الجاهل»، أقول إن الأمر يصل إلى وصف الآخرين بـ«الخائن» و«العميل» و«المتصهين».. وغيرها من نعوت، يطلقها صاحب الصفحة – أو على وجه الدقة «مستأجرها» – بحسب ما تقرر الشركات المالكة للمنصات العنكبوتية، وإذا ما كانت ستستمر في إعطاء هذه الملايين حق الهبد والتعبير والتواصل والتشارك، أم أنها ستغلقها أو تفتحها فقط لمن تريد، أو تضع شروطاً وقيوداً؛ منها عدم ذكر دول أو أيديولوجيات أو أشخاص بأعينهم بسوء.
بمعنى آخر، مستأجر الصفحة – على «إكس» أو «ميتا» أو «إنستجرام» أو غيرها – مجرد عابر سبيل. اليوم هو هنا لأن صاحب المنصة يريده موجوداً لأسباب كثيرة، تتراوح بين الربح المادي، والمنفعة المعلوماتية، والتوجيه السياسي والاجتماعي والأيديولوجي وغيرها. وغداً هو ليس موجوداً، أو موجود بشروط صارمة.
ما يعنينا هنا، هو كيف تحولت إدارة البعض لصفحاته.. إلى أعتى أشكال الديكتاتورية والفاشية والعنف الفكري والتنمر المعنوي والتربص النفسي.. بكل من يجرؤ على طرح وجهة نظر أو رأي – وأحياناً خبر – لا يلقى هوى لديه. وكأن هذا البحر الهائج من المعلومات المضللة، وأشباه الأخبار، وأنصاف المعارف، والآراء المتنكرة في صورة حقائق.. لم يكن كافياً، فإذا بنا واقعين في قبضة طغاة جائرين متعسفين ديكتاتوريين على مساحاتهم المستأجرة.
يخبرنا «تشات جي بي تي» بأن السمات الشخصية للديكتاتور عادة.. تشمل الاستبداد، والسيطرة المطلقة، وعدم الانفتاح على الرأي الآخر، والتمركز حول الذات، واستغلال الدين، وقمع المحيطين، والسيطرة على الإعلام.. (في هذه الحالة التعليقات والتدوينات)، وتشكيل الشعب (في هذه الحالة قائمة الأصدقاء) وفق أيديولوجية معينة. ويسعى ديكتاتورنا العنكبوتي.. إلى التحكم في كل جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية على صفحته المستأجرة، وغالباً يتجاهل أو يقمع أي شكل من أشكال المعارضة أو الاختلاف في الرأي.
أعرف كثيرين أصبحوا يعيشون فعلياً في عالم موازٍ، حيث حقيقة موازية ومكونات وتفاصيل موازية. هؤلاء قاموا – على مدار سنوات أو أشهر – بـ«تطهير» صفحاتهم من كل مختلف؛ تجده يباهي بأنه طهر ساحته الافتراضية من كل من يعتنق أيديولوجيا، وربما معتقداً، مختلفاً، أو يعبر عن رأي مغاير، أو يطرح وجهات نظر لا توافقه.
والنتيجة أنه بمرور الوقت، يخيل لصاحب الصفحة أن المحتوى – ذا التوجه الواحد والرأي المتطابق والنغمة المتشابهة – هو ما يجري في العالم الخارجي. ويا ليله يا سواد ليله.. من تجرأ وطرح كلمة مختلفة.
حنانيكم يا أصحاب الصفحات ومستأجروها. ألطف ما أتابعه على صفحات هؤلاء.. هو غضبهم من الممارسات الديكتاتورية في إدارة دول، بينما هم غارقون في ديكتاتورية إدارة صفحاتهم.. المراد بها التواصل!
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة