عبدالله عبدالسلام
إنها حرب الزمن الترامبي.. قصيرة الأمد.
تسبقها مفاوضات، يطالب خلالها مبعوثو الرئيس الأمريكي بالحد الأقصى، وإلا جرى استخدام القوة الأمريكية، كما لم يحدث من قبل. يمارس عمليات خداع وكذب وتضليل.. لإيهام الطرف الآخر بأن الحرب ليست بعد ساعة أو يوم. ثم تكون المفاجأة. حرب تستهدف تدميراً كاملاً.. لقدرات الطرف الآخر.
يبالغ ترامب.. في حجم ما تحقق من دمار للعدو؛ بفضل «عبقرية القوات الأمريكية».
فجأة أيضاً – ودون مقدمات – يعلن شخصياً عن وقف إطلاق النار، ويشكر الخصم، ويتحدث عن آفاق عظيمة للمستقبل.
ألا يُذّكرك هذا بشيء؟ إنه منطق الصفقة، الذي يسير على هداه.. السمسار العقاري السابق والرئيس الحالي. أقصى الضغوط على المنافس.. بل ابتزازه، ثم إجباره على اتفاق.. لا يحرمه من بعض المكاسب.
بين عشية وضحاها، تحوَّل ترامب من صانع حرب إلى صانع سلام.
في حربه على إيران – التي انضم فيها لإسرائيل، خروجاً على كل المواثيق – حقق ما أراده.. رغم مبالغاته التي اعتادها العالم.
البرنامج النووي الإيراني «تضرر بشدة» – بحسب رئيس الأركان الأمريكي – ولم يتم تدميره تماماً، كما يزعُم هو. إسرائيل وأمريكا يمكنهما ادعاء النصر، لكن إيران حفظت ماء وجهها.. وسط حديث عن إمكانية استئناف البرنامج في ظروف أخرى.
نتنياهو حقق ما أراد، وفعل ما لم يفعله رئيس وزراء إسرائيلي سابق؛ استهدف «النووي» الإيراني، وقضى على غالبية الصف الأول من القيادات، وقتل 17 عالماً نووياً.
إيران أمطرت إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيرة.. بصورة لم تشهدها من قبل، وظلت ترد.. حتى الدقيقة الأخيرة قبل سريان وقف النار. بل إنها ردت على أمريكا.. بضرب قاعدة «العديد» في قطر. توقفت مؤقتاً نغمة تغيير النظام الإيراني.
خوفاً من المجهول، بدت الأطراف راغبة في وقف الحرب. سادت البراجماتية والواقعية. إطالة أمد الحرب أكثر من ذلك.. غير مأمون العواقب لإيران؛ خاصة إذا تهور نتنياهو، واستهدف قيادة إيرانية كبرى.. أبرزها المرشد خامنئي.
انكشاف سماء إسرائيل وأرضها.. أمام الصواريخ الإيرانية، والتكلفة الباهظة للحرب، جعلاها تتصل بوسيط عربي – كما ذكرت «بي. بي. سي» – للتدخل لإنهاء القتال.
قد يمضي وقت طويل.. حتى تظهر حقيقة خسائر كل طرف، وكواليس ما قبل صمت الصواريخ. لكن على العالم – وتحديداً الشرق الأوسط – الاستعداد لمثل هذا النوع من الحروب قصيرة الأمد.. التي يشعلها ترامب، باعتبارها مقدمة ضرورية للسلام.. على طريقته.
السؤال الذي يثور هنا: أين غزة من كل ذلك؟
هل خرجت من تفكير «صانع السلام»! الذي منح إسرائيل حرية القتل والتجويع والإبادة، لأن حماس لم توافق على خطته.. لإطلاق سراح الرهائن، ولأن أحلامه بإقامة «ريفييرا» وترحيل الفلسطينيين من القطاع.. تتعثر؟
تداعيات هجمات حماس في أكتوبر 2023 – في لبنان وسوريا ثم إيران – انتهت، أو في طريقها لذلك. وحدها غزة.. متروكة – وحيدة – لحرب.. نسيها العالم، أو اعتاد عليها.
لم يأت ترامب – في إعلانه وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران – على ذِكر غزة.
هل تبدأ خطة الترحيل القسري بعد نهاية الحرب مع إيران؟ هل يعتبر ترامب نفسه صانع سلام.. إلا في غزة؟!
نقلاً عن «المصري اليوم«