Times of Egypt

غواية الضربة الحاسمة ومستقبل الصراع

M.Adam
د. هناء عبيد

د. هناء عبيد

لم تكن الضربة الأمريكية للمنشآت النووية الإيرانية.. دعماً للحرب الإسرائيلية عليها مفاجأة، بقدر ما كان إعلان الرئيس ترامب نهاية الحرب ووقف إطلاق النار بعد أيام من التصعيد المحسوب من كل الأطراف، مستطرداً أن الحرب كان من الممكن أن تستمر لسنوات وتدمر الشرق الأوسط ولكنها انتهت.. مهنئاً الطرفين ومثنياً على شجاعتهما وذكائهما!

وبرغم عمليات الخداع، والرسائل المختلطة، والتحركات العملياتية التي هدفت للتمويه على قرار وتوقيت الضربة، فقد كان واضحاً أن غواية توجيه ضربة دقيقة لإيران.. أكبر من أن يقاومها الرئيس الأمريكي الباحث عن العظمة والمجد، أو الإرث والمكاسب المبهرة؛ فعلى الصعيد الداخلي – خاصة في أوساط قواعد ترامب ومؤيديه – فإن إيران هدف يجمع ولا يفرق، وتحظى مواجهتها بتوافق معقول بين النخب.. باستثناء الموقف من دخول حرب مفتوحة في صفوف مجموعة أمريكا أولا، التي لا ترغب في تحمل الاقتصاد أعباء مواجهات خارجية غير ضرورية. ونظراً لمكانة الرئيس ترامب – كمحور لهذه المجموعة – يمكنه التأثير على توجهاتها، خاصة إذا أثمرت مقامرته نتائج إيجابية. بدا التوافق حول هدف إحباط البرنامج النووي الإيراني، أو التصعيد في مواجهة إيران بشكل عام.. واضحاً من تغطيات الصحافة الأمريكية في الأيام التالية على توجيه الضربة، التي وصف الكثير منها الانخراط الأمريكي بالتصرف الصائب والشجاع.

دعم من مسار الانضمام الأمريكي للحرب أيضاً.. ما أحدثته الضربة الإسرائيلية الأولى من خسائر كبيرة في صفوف القيادات والمنشآت الأمنية الإيرانية، وما بدا عليه الوضع من وجود اختراق كبير قد يدعم العمليات من الخارج؛ بما يعزز حسابات انضمام الولايات المتحدة ترجيحاً للكفة الإسرائيلية، أو استثماراً لنجاحها المبدئي، بحيث يعجل من الحسم، ويمنح الولايات المتحدة قدراً من الفضل.. دون التورط في حرب طويلة الأمد، التي جاء الرئيس ترامب إلى الحكم على خلفية مناهضتها، والتحذير من كلفتها. ويشير تقرير للنيويورك تايمز بعنوان «كيف قرر ترامب ضرب إيران؟» إلى حالة من الانبهار بالضربة الإسرائيلية الأولى.. التي تكوَّنت من عدد من الضربات الدقيقة، وصرَّح ترامب لمستشاريه – وفقاً للتقرير- بمدى إعجابه بها ووصفه إياها بالممتازة والناجحة.

وعلى صعيد التحالف الغربي، فإن مواجهة أمريكية-إسرائيلية مع إيران.. نقلت الخطابات الأوروبية والمواقف الرسمية على مستوى الدول فرادى والاتحاد الأوروبي ككيان جماعي.. إلى أجواء تشبه السابع من أكتوبر، حيث توحد الخطاب الرسمي الأوروبي – مرة أخرى – مؤيداً لإسرائيل في حربها على إيران، بعدما شهدت الأسابيع السابقة لتلك المواجهة تصاعد نبرة النقد لسلوك إسرائيل في غزة، وزيادة لعدد الدول الأوروبية الراغبة في اتخاذ سياسات أكثر وضوحاً.. في رفض الحرب والتجويع في غزة، وتزايد الحراك الأوروبي نحو عزل إسرائيل، أو معاقبة سلوكها. وبالتالي كان من شأن انضمام الولايات المتحدة للحرب أن يحدث نوعاً من رأب الصدع عبر الأطلنطي.. فيما يخص العلاقة بإسرائيل والسياسات في الشرق الأوسط، وتراجع الاهتمام بملف الحرب في غزة.

وبالنسبة للقوى الصاعدة – خاصة الصين وروسيا – فلم يبدُ أنها عازمة على خوض معركة لصالح حليفها الإقليمي، فكل منها يمكن تحييده في المواجهة الحالية.. بترضية ما في ملف يمثل أهمية أكبر بالنسبة إليه من مساندة إيران، أو بحسابات التكلفة والعائد.. التي لم تشر إلى اعتزامها دعم إيران بشكل حاسم في تلك الجولة من المواجهة.

ورغم انتهاء سيناريو الضربة الدقيقة – أو النظيفة عالية الأثر قليلة الكلفة.. التي اعتزمها الرئيس ترامب، وتوجت بإعلان وقف إطلاق النار، بمشهد يخرج فيه الجميع معلناً انتصاره – فإن عناصر الصراع الهيكلية مستمرة، وقابلة للتجدد. فالتصعيد الذي شهدته حرب الأيام الاثني عشر كما يسميها ترامب، كشفت عن المدى الذي يستطيع كل طرف أن يبلغه.. في الإضرار بالآخر ومصالحه، وشبكة حلفائه؛ خاصة مع مشاهد الدمار اليومي في إسرائيل، رغم عدم وجود تقديرات دقيقة لخسائرها، وكذلك استهداف إيران الرمزي للقاعدة الأمريكية في قطر.. كرسالة لإمكان توسيع نطاق المواجهة.. إذا لزم الأمر. هذا الوضع يجعل من إجهاض البرنامج النووي الإيراني أولوية – أكثر من أي وقت مضى – للولايات المتحدة وإسرائيل، بينما يجعل تعزيز القدرات الردعية.. أولوية تسابق إيران الزمن لتحقيقها.

وإذا كانت هذه الجولة انتهت بالتهاني، والدعاء بالبركة للخصمين.. اللذين فرغا للتو من قصف بعضهما البعض، وللشرق الأوسط وللعالم، مؤذناً بالعودة إلى المسار الدبلوماسي، فإن هذا المسار سوف يكون محملاً بحالة من الشك العميق.. إزاء النيات الأمريكية-الإسرائيلية، وباحتمالات تجدد الصراع في أي وقت، خاصة في ضوء الضرر الذي ألحقته عمليات الخداع والكذب المتكررة.. التي وظفتها الإدارة الأمريكية بشكل مباشر – أو عن طريق وسطاء – للإيحاء بالاستمرار في التفاوض.. بينما يتم الإعداد للحرب على قدم وساق، بما يضعف مخزون الثقة، الذي تحتاج الدبلوماسية حداً أدنى منه.. لإمكان قيام ونجاح عملية تفاوض بناءة، تحظى فيها الأطراف خاصة الضامنة بدرجة معقولة من المصداقية.

نقلاً عن «الأهرام«

شارك هذه المقالة