أحمد أبوالمعاطي
باشتعال الحرب الإيرانية-الإسرائيلية، وبلوغها مرحلة تكسير العظام، ثم دخول الولايات المتحدة الأمريكية على الخط؛ بالدعم اللوجيستي الكامل لإسرائيل، والتجهيز لضربة قاصمة للعاصمة طهران.. يدخل «مشروع الشرق الأوسط الكبير» – الذي أعلنته الإدارات الأمريكية المتعاقبة مراراً، وتبناه الرئيس ترامب بحماس منقطع النظير – حيِّز التنفيذ الفعلي؛ فبانتهاء الحرب، تصبح المنطقة العربية برمتها، في قبضة التحالف الفائز؛ إما أمريكا وإسرائيل.. ومن خلفهما حلفاؤهما التاريخيون في مجموعة الدول الصناعية السبع. وإما التحالف المنافس.. الذي تقوده روسيا والصين، وأطلقته الأخيرة في عام 2013، تحت شعار سياسي برَّاق؛ يستهدف «بناء عالم جديد متعدد الأقطاب»، يضم في عضويته أكثر من 70 دولة حول العالم.
بانتهاء الحرب الإيرانية-الإسرائيلية، وقد أوشكت بالفعل على نهاياتها الدامية؛ إما بتركيع إيران قسراً، عبر تدمير مشروعها النووي، وبنيتها الاقتصادية والعسكرية.. على نحو ما جرى في العراق عام 2003، وما قد تنتهي إليه مآلات الأمور بعد ذلك؛ إلى إسقاط نظامها، ودخولها إلى بيت الطاعة الأمريكي، وربما تقسيمها إلى دويلات صغيرة. وإما بانتهاء المباراة الساخنة.. بتعادل سلبي، يجري العمل بهمة على إخراج سيناريوهاته في مطابخ السياسة الأمريكية، من أجل حفظ ماء وجه إسرائيل، وقد تمرَّغت كرامتها في الوحل فعلياً.. على مدار الأيام الماضية؛ على وقع الصواريخ الإيرانية، التي قوَّضت كثيراً من الأساطير المؤسِّسة لقوة تل أبيب العسكرية، وما قد يُفضي إليه هذا التعادل.. من اقتسام لغنائم الثروة والنفط في المنطقة العربية بين التحالفين الكبيرين، وفق شروط صارمة.. غير مسموح بتجاوزها، بعدما وضعت المقامرة الإسرائيلية، والعناد الإيراني العالم برمته.. على شفا حرب نووية مدمرة.
وأغلب الظن – وقد فاقت توقعات مآلات الحرب تقديرات كثير من الخبراء – أنها ستكون النهاية المنطقية الوحيدة لكل ما يجري من عبث، يبدو معه التدخل الأمريكي.. بتدمير المفاعلات النووية الإيرانية بقنابل نووية محدودة.. أقرب إلى الجنون، لأنه سوف يطول الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الأمريكية، ومصالحها الكبيرة في الخليج العربي، بينما سيبدو الرد الإيراني – ومن خلفه تحالفه الدولي – بتوجيه ضربة نووية لإسرائيل، وربما للقواعد الأمريكية المنتشرة في العديد من بلدان العالم العربي – هو الجنون بعينه؛ فالدمار سوف يطول الجميع، وتأثيراته ستمتد إلى عقود أخرى مقبلة.
إنه الصلف الإسرائيلي.. المدعوم دائماً بالرعاية الأمريكية الكاملة، هو من يحول منطقتنا – المنكوبة دائماً بالكوارث والأزمات – إلى ما يشبه منصة، جرى العمل على تجهيزها منذ عقود بعيدة، لتقديم مختلف أشكال المسرح العبثي، الذي أسسه صمويل بيكيت مطلع الخمسينيات، ليعكس – من خلاله – حجم ما عانته البشرية بعد الحرب العالمية الثانية.. من فوضى، وتدمير لكل ما أنتجته الحضارة الإنسانية من قيم روحية ودينية وأخلاقية على حد سواء.
نقلاً عن «الأهرام»