Times of Egypt

هل تكررت قصة «أبريل غلاسبي»؟!

M.Adam
نيفين مسعد

نيفين مسعد

في الخامس والعشرين من يوليو 1990، وبينما كانت الأزمة بين العراق والكويت في ذروتها.. لأسباب مختلفة، التقت أبريل غلاسبي – سفيرة الولايات المتحدة في بغداد – مع الرئيس العراقي صدام حسين. هذا اللقاء أثار ضجة واسعة لاحقاً.. مع قيام العراق بغزو الكويت في الثاني من أغسطس، فقد ذهب الكثير من التحليلات إلى أن صدام حسين.. تلقَّى إشارة مبطنة من السفيرة الأمريكية، إلى أن الولايات المتحدة لا شأن لها بالأزمة القائمة بين العراق والكويت. وجاء ذلك عندما قالت غلاسبي إن التعليمات لسفارة الولايات المتحدة في الكويت – حيث كانت تعمل في فترة سابقة – طلبت الامتناع عن التدخل في العلاقة بين الدولتين الجارتين، وإنه بالنظر إلى الأزمة (في حينه).. فإن غلاسبي تفضل حلها دبلوماسياً، ثم لم تلبث أن غادرت بغداد.

تم تفسير مضمون حديث السفيرة الأمريكية.. على أن بلادها لا شأن لها بالأزمة العراقية-الكويتية، وأن مسارعتها إلى السفر، تعني افتراضها ضمنياً أن صدام حسين قد يهاجم الكويت، على الرغم من أنها اقترحت على الرئيس العراقي.. اللجوء إلى الحلول السلمية. بطبيعة الحال، هناك من رأى أن تأويل كلام غلاسبي على هذا النحو.. يحمِّله فوق ما يحتمل، وأن صدام حسين كان عقد العزم على مهاجمة الكويت.. بغضِّ النظر عن لقائه مع غلاسبي، وربما حتى قبله؛ فالمشكلة مع الكويت قائمة منذ الستينيات. على أي حال، فإنه – في توثيق ملابسات احتلال الكويت – تظل واقعة اللقاء بين صدام وغلاسبي حمَّالة أوجه.

شيء قريب من ذلك.. حدث يوم الثاني عشر من يونيو الجاري، عندما تحدَّث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من مكتبه في البيت الأبيض، عن التوصل إلى اتفاق جيد مع إيران.. وإن كان يتطلع إلى اتفاق أفضل، وأنه لا يريد أن توجه إسرائيل ضربة إلى إيران.. طالما سيكون هناك اتفاق. وبالتوازي مع كلام ترامب، كان يتم الحديث عن لقاء مرتقب بين ستيف ويتكوف – المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط – وكل من رئيس «الموساد» ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيليين، قبيل جولة المفاوضات السادسة.. التي كان من المزمع عقدها في سلطنة عُمان، في الخامس عشر من هذا الشهر.

وفي إطار الاستعداد لجولة المفاوضات الجديدة – التي كان يُنظر إليها على أنها حاسمة، فيما يخص قضايا الخلاف الأساسية بين واشنطن وطهران – مورست ضغوط مختلفة من كلا الطرفين ضد الآخر. فقد أصدرت الخارجية الأمريكية تعليماتها بمغادرة دبلوماسييها غير الأساسيين في العراق ودول عربية أخرى. وأعلنت إيران فتح مركز جديد لتخصيب اليورانيوم، واستبدال الجيل السادس من الطرادات المركزية بالجيل الأول.. في موقع «فوردو». وأتى التصعيد الإيراني رداً على قرار مجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، الذي أدان الجمهورية الإسلامية بعدم الالتزام بالضمانات النووية.. منذ عام 2019.

إذن، كانت هناك حرب أعصاب أمريكية-إيرانية، تدخل في إطار سياسة شد الأطراف بين الجانبين.. قبل أيام معدودة من جولة مفاوضات مسقط الجديدة المرتقبة. ثم إذا بالهجمات الإسرائيلية العنيفة فجر الثالث عشر من يونيو تصيب منصات إطلاق الصواريخ في إيران، وتستهدف منشأة «نطنز» النووية، وتقتل عدداً من أبرز علماء البرنامج النووي الإيراني. وتطور الهجوم خلال ساعات النهار، فإذا بالهجمات الإسرائيلية تنتقل من طهران إلى أصفهان ومن تبريز إلى شيراز، على الرغم من بعد المسافة بين هذه المدن الأربع.

وهنا خرج دونالد ترامب ليعلن أنه كان قد أمهل إيران ستين يوماً.. لإبرام اتفاق نووي جديد، لكنها لم تستجب، وأن أمامها الآن فرصة ثانية للتفاوض، قبل أن تشهد هجمات أسوأ.. لا تترك لها شيئاً. وفُسرت هذه التصريحات، بأن الهجمات ستتضمن استهداف المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض. 

وبالتالي، ما الذي يمكن أن نفهمه من ذلك؟ 

نفهم أن الولايات المتحدة سمحت لإسرائيل بتنفيذ هجومها على إيران، وأنها تدعو إيران للتفاوض تحت تهديدها.. بما هو أسوأ بكثير مما جرى. وهذا أمر يتناقض كليةً مع رفض ترامب – في الليلة السابقة مباشرةً – ضرب إيران؛ لأن هناك اتفاقاً جيداً تم التوصل إليه معها، وأن هذا الاتفاق الجيد في انتظار التحسين.

نتيجة أولى لانقلاب ترامب على تصريحاته – التي كان يؤيد فيها الحل السلمي – هي إضعاف مصداقية الولايات المتحدة.. القطب الأعظم في العالم، فما هو الضمان لأخذ أي تصريحات لترامب – في المستقبل – على محمل الصدق؟

«المشهد اليوم».. ترامب يتريث دخول الحرب، وطهران تعلن عن صواريخ جديدة.. تجعل القواعد الأمريكية في مرمى الاستهداف، وتخوُّف من جرِّ لبنان – عبر «حزب الله» – إلى ساحة المعركة.

نتيجة ثانية هي إحراج حلفاء الولايات المتحدة الموثوقين؛ فلا شك أن تأييد ترامب للهجمات الإسرائيلية.. مثَّل مفاجأة غير سارة بالنسبة لسلطنة عُمان، وهي التي لعبت دوراً تاريخياً في التوصل إلى اتفاق 2015، وانخرطت بجدية في جهود إحياء التفاوض مع إيران.

نتيجة ثالثة هي اختبار قاسٍ لسياسة السلام عن طريق القوة – التي يروج لها ترامب – فلأسباب كثيرة.. لا يُتصوَّر أن تُساق إيران إلى طاولة المفاوضات، بعد إهانة كرامتها الوطنية؛ باستهدافها بواسطة إسرائيل في العمق.

وهنا، فإن الكلام عن احتمال تجرُّع إيران كأس السُّم، والذهاب للتفاوض.. على حرمانها من حقِّها في التخصيب السلمي لليورانيوم، كما سبق لها أن تجرَّعت كأس السُّم، وقبلت وقف إطلاق النار مع العراق. هذا الكلام يستند إلى المقارنة بين وضعين غير متماثلين. 

ففي 1988، خرجت إيران من الحرب لا غالبة ولا مغلوبة، مما سهَّل عليها أن تتجرَّع كأس السم، أما في 2025، فإن ذهابها للمفاوضات – بعد استباحة أرضها ومجالها الجوي بهذا الشكل المهين – يعني أن يؤدي تجرُّع كأس السم إلى إسقاط النظام.

لقد أشعلت عملية «الأسد الصاعد» حريقاً جديداً في الشرق الأوسط، يعلم الله وحده متى سينتهي، وعلى أي نحو ستكون نهايته!

نقلاً خاص «عروبة 22»

شارك هذه المقالة