Times of Egypt

المدهش وغير المدهش في حرب إسرائيل على إيران

M.Adam
مصطفى كامل السيد 

مصطفى كامل السيد

 تثير الحرب التي بدأتها إسرائيل على إيران صبيحة الجمعة الماضية أسئلة كثيرة، ولكن العجيب أن الإجابات عن بعض هذه الأسئلة، لا تبعث على الدهشة فهي متوقعة، ولكن القليل منها هو الذى يبعث على الدهشة البالغة.. مع أنه يكاد يكون متوقعا، ومع ذلك يستمر المراقبون والمهتمون بالشأن العام في إثارة هذه الأسئلة، ولذلك فمن المفيد توضيح أيها لا ينبغي أن يكون موضعا للتعجب.

ولنبدأ بطرفي النزاع المباشرين، أي إسرائيل وإيران.. ليس هناك ما يستوجب الدهشة.. لا في الهجوم الإسرائيلي؛ سواء في احتماله أو في توقيته، وكذلك فيما بدا من انكشاف أولي لإيران.. فى اليوم الأول لهذه المواجهة. 

فيما يتعلق بإسرائيل.. بنيامين نتنياهو – رئيس وزرائها – لم يتوقف عن المطالبة بضرب إيران، للحيلولة دون تطور برنامجها النووي.. إلى ما يقرب من العتبة – أى القدرة على تخصيب اليورانيوم إلى حد 90٪ – وهو ما يكفي لصنع قنبلة نووية. 

وفضلا عن الاعتبارات الاستراتيجية في هذا الموقف – أي الإصرار على أن تكون إسرائيل هى القوة العسكرية الأولى فى الشرق الأوسط.. باحتكارها السلاح النووى – فإعلان الحرب على إيران يفيد نتنياهو شخصيا.. فى إطالة أمد حكومته، وكذلك خضوعه للمحاكمة. أما عن التوقيت، فلم يكن هناك أنسب من اليوم الذي بدأ فيه الهجوم الإسرائيلى؛ فهو يتوافق مع نهاية مهلة الستين يوما.. التي كان الرئيس الأمريكي قد حددها للوصول إلى تسوية سلمية للخلاف حول البرنامج النووى مع إيران، وجاء لاحقا لقرار مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. بانتهاك إيران لتعهدها أمام الوكالة بالالتزام بحد معين لتخصيب اليورانيوم، وكذلك قيامها بأنشطة نووية.. في مواقع لم تكن معروفة للوكالة. 

كما كان الهجوم بعد أيام من محادثة هاتفية مع الرئيس الأمريكى يوم الإثنين الماضي، أبلغه فيه نتنياهو بالعزم على توجيه ضربة لإيران.. لم يعترض عليها ترامب، ووافق عليها مجلس الوزراء الإسرائـيلي مساء نفس اليوم. وفى أعقاب ذلك بدأ خفض تواجد الدبلوماسيين الأمريكيين وعائلاتهم في عدد من دول الشرق الأوسط؛ وخصوصا العراق وبعض دول الخليج. ليس في كل ذلك ما يدعو للدهشة.. فهو معروف لكل قراء الصحف الجادة وقنوات الإعلام الإسرائيلية.

***

وأما فيما يتعلق بإيران، فإن انكشافها البالغ أمام الموجة الأولى من الهجوم الإسرائيلى – صبيحة الجمعة – لا يجب أن يدعو للدهشة. فقد دمرت الغارات الإسرائيلية في إبريل وأكتوبر العام الماضي.. جهاز الدفاع الجوي الإيراني الأحدث S300 – المستورد من الاتحاد الروسي – ومن المعروف أن الحكومة الإيرانية واجهت صعوبات مالية وسياسية.. فى تحديث طيرانها الحربي والمدني على السواء؛ بسبب العقوبات التي فرضتها عليها الدول الغربية، وربما حاولت التعويض عن ذلك.. بالتعويل على إنتاج المسيرات التي نجحت فيها تماما، وصدرتها حتى لروسيا.. التي تعتمد عليها في حربها في أوكرانيا، وبتطوير الصواريخ البالستية بعيدة المدى. 

والمظهر الثاني للانكشاف الإيراني هو في مصرع – تقريبا – كل الصف الأول من قياداتها العسكرية النظامية وفي الحرس الثورى، واغتيال إسرائيل لتسعٍ من أبرز علماء الطاقة الذرية الإيرانيين.. ممن تصفهم مصادر إسرائيلية، بأنهم كانوا منهمكين في تطوير سلاح نووي. يعود هذا الانكشاف للنجاح الهائل – الذي حققته إسرائيل في اختراق النظام الإيراني – ليس بالاعتماد على الوسائل المعلوماتية؛ من تقنيات التعرف على الوجوه، ومسح الأجواء الإيرانية.. بواسطة المسيرات والأقمار الصناعية، واستخدام الذكاء الاصطناعى، ولكن كذلك باستخدام الجواسيس الإيرانيين والإسرائيليين.. إلى حد إقامة قواعد لهم داخل إيران ذاتها. 

للأسف، ليس في ذلك ما يدهش، فالنظام الإيراني لا يحظى بتأييد قطاعات كبيرة من المواطنين الإيرانيين – وخصوصا بين الشباب ذكورا وإناث – أيا كانت الانتماءات الطائفية للمواطنين. فالتضييق على الحريات – بما في ذلك الحريات الشخصية للنساء – وتردي الأوضاع المعيشية.. يفتح الباب واسعا لتجنيد العملاء. الاغتيالات السابقة لعلماء إيرانيين، وضيوف الدولة الإيرانية، وحصول إسرائيل على وثائق البرنامج النووي الإيراني.. كلها سوابق تكشف مدى تغلغل الاستخبارات الإسرائيلية في إيران ولعل ذلك درس للجميع.

هل هناك جديد في مواقف القوى الإقليمية والدولية؟

الجديد في مواقف القوى الإقليمية – بما في ذلك كل دول الخليج، وفى مقدمتها السعودية – ومصر وجامعة الدول العربية وتركيا، هو أنها قد أدانت الهجوم الإسرائيلي. طبعا لا نعرف ما في القلوب، ولكن لا شك في جدية شعور حكومات كل هذه الدول.. بالقلق من تبعات الهجوم الإسرائيلي الذي قد ترد عليه إيران باستهداف مصالح أمريكية في منطقة الخليج، أو المرافق البترولية، أو طرق الملاحة.. سواء عبر الخليج العربي أو البحر الأحمر. بل لقد ذهب فالي نصر – أحد أساتذة العلاقات الدولية المتخصص فى شؤون الشرق الأوسط – إلى أن توزيعا جديدا للقوة قد يظهر فى الشرق الأوسط، في أعقاب ضعف محور المقاومة – الذي ساندته إيران، وضم كلا من حزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، وأنصار الله في اليمن، وقوى شيعية في العراق – ويضم هذا التوزيع الجديد للقوة.. كلا من إيران ودول الخليج، في مواجهة إسرائيل، التي تخشى دول الخليج.. أن تتمادى فى ابتزازها، ولذلك ترى هذه الدول – حسب رؤية هذا الباحث – أن توثيق العلاقات مع إيران، يمكن أن يوازن تنامي نفوذ إسرائيل في الإقليم؛ وخصوصا أن السعودية والإمارات قد استعادتا علاقات عادية مع إيران، وأيدتا سعي الرئيس الأمريكي لتسوية قضية البرنامج النووي الإيراني، وتسلحها بالسبل الدبلوماسية. فضلا على أن نفوذ إيران الإقليمي قد تداعى.. في أعقاب الضربات التي وجهتها إسرائيل لحلفائها فى فلسطين ولبنان، وبعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا..

ولكن ما يدعو حقيقة للتأمل، هو موقف الحكومات الغربية – وخصوصا الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا – فقد تراجع الرئيس الأمريكي أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي.. في تفضيله تسوية النزاع مع إيران من خلال الوسائل السلمية، ورضخ لشن الهجوم الإسرائيلي صبيحة الجمعة، قبل يومين من اجتماعٍ.. كان مخططا له في سلطنة عمان.. بين الوفدين الإيراني والأمريكي، بحضور مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف. وخرج لوسائل الإعلام قبلها.. لكي يخوف إيران من هجوم إسرائيلي محتمل، قد يلحق بها أهوالا، بل ووصف هذا الهجوم يوم الجمعة – بعد أن وقع – بأنه «ممتاز»؛ مما جعل المعلقين الأمريكيين يتساءلون عن مدى التزامه بالتسوية السلمية للنزاع مع إيران. 

وفي الحقيقة، أظهر الرئيس الأمريكى – رغم كل ما يشاع عن غروره الشخصي – أنه ضعيف أمام نتنياهو ، وأنه فضل أن يغطي على ضعفه.. بالتظاهر بمسايرة رئيس الحكومة الإسرائيلية الذى بدا منتصرا يوم الجمعة.. وكأن له نصيب في انتصار هذا الأخير، ولكي يبدو ما يأمل أن تظهره الحكومة الإيرانية من تنازلات.. في مفاوضات جارية، وكأنه نتيجة لعمل عسكري لم يشارك فيه، ولكنه بكل تأكيد لم يعترض عليه، ومن ثم فسيجني ثمراته.

***

سيتوقف المراقبون أمام موقف الحكومتين الفرنسية والألمانية، اللتين سارعتا باتخاذ موقف.. لا يمكن إلا أن يدعو للسخرية. حكومتا فرنسا وألمانيا – اللتان تصدعان رؤوس العالمين.. بادعائهما الوقوف مع قواعد القانون الدولي – سارعتا بإعلان تأييدهما لما قامت به إسرائيل؛ باعتباره «دفاعا عن النفس». ويعجب المراقبون: ماهي دلائل عدوان إيران على إسرائيل؟ وحتى لو صدقنا تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فلم تصل إيران بعد إلى عتبة إنتاج سلاح نووي، وليس هناك ما يشير إلى أنها سوف تخطط في المستقبل لاستخدام هذا السلاح.. في مواجهة إسرائيل، لو قامت بينهما حرب مفترضة. 

بل.. ويكمل الرئيس ماكرون، بتقديم دليل آخر على نفاقه للرأي العام العربى، بإعلانه تأجيل مؤتمر مقترح.. للاعتراف بدولة فلسطينية، كان مخططا انعقاده في نيويورك هذا الأسبوع. وادعى أن سبب التأجيل – إلى موعد سيحدد فيما بعد – هو اعتبارات أمنية وعملية، منها أن الرئيس الفلسطينى محمود عباس.. لن يكون قادرا على الحضور؛ متذاكيا على كل المراقبين – الذين يعرفون أنه يخضع لتهديد الرئيس الأمريكي لمن يحضر هذا المؤتمر – وطبعا مجاملة لإسرائيل، التي تخوض حربا في رأيه «للدفاع عن النفس»؛ معربا عن استعداد فرنسا للمشاركة فى هذه الحرب «الدفاعية».. حسبما جاء فى المؤتمر الصحفي الذي عقده ليلة الجمعة.

كل هذا – في نظر الكاتب – هو موقف عنصري في الأساس، تتخذه الحكومات الغربية تجاه قضايا العرب في مواجهة دولة عنصرية، يرونها امتدادا لأوروبا في بلاد العرب والمسلمين، ولكنهم يتنازلون لفظيا للعرب.. تحت ضغوط الرأى العام في بلادهم، وتواصل كل حكوماتهم – كما أكدت ذلك تقارير منشورة في صحفهم ذاتها – أنهم يواصلون تسليح إسرائيل.

… الذي يدعو حقيقة للدهشة:

ولكن أحتفظ للأعزاء القراء.. بما أرى أنه يدعو حقيقة للدهشة؛ وهو موقف كل حكومات الشرق الأوسط الأخرى، التي لا يبدو أنها تقدر الخطر.. الذى تمثله إسرائيل عليها جميعا، وليس فقط على الدول المحيطة بها (سواء مصر أو الأردن أو لبنان أو سوريا أو إيران)؛ حيث هناك إما تواجد عسكري إسرائيلي على أراضي بعضها، أو خطط يجري تفعيلها.. لتهجير الفلسطينيين على أراضيها، أو تصريحات رسمية معلنة من جانب وزراء في الحكومة الإسرائيلية.. بأن أراضي إسرائيل التاريخية – التي يرون أنهم قد وعدوا بها – تشمل أقساما من أراضي كل هذه الدول.. فضلا عن العراق والسعودية.

وقد علّمنا تاريخ المشروع الصهيونى، أن أحلام الصهاينة هي خطط قابلة للتنفيذ.. متى توافرت الظروف المناسبة. الحكم في إسرائيل – أيا كان الحزب أو الائتلاف المسيطر فيها – يرى فى تقدم دول الشرق الأوسط علميا واقتصاديا وعسكريا.. أشد الخطر على انفراد إسرائيل بالقول الفاصل.. في مصير الإقليم. ولذلك وقفت بالتخريب ضد مشروع الصواريخ المصري في الستينيات، واغتالت علماء الطاقة الذرية في العراق قبل 2003 وبعدها، وتقاوم التقدم العلمي والعسكري في إيران، ويقلقها تسليح الجيش المصري، وتعارض التعاون بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.. في تطوير الطاقة النووية للاستخدامات السلمية، وحاول أنصارها من قبل، وقف تسليح الولايات المتحدة للسعودية بطائرات حربية متقدمة. 

هذا الخطر الماثل، والمشترك، والجاد، والخطير.. لم يحفز كل دول الشرق الأوسط – حتى الآن – للخروج بمشروع.. يكفل لها أن تقف جميعا معا.. لموازنة وردع هذا العدو المشترك. 

ألا يدعو ذلك حقيقة للدهشة؟

 * أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة.

«نقلا عن الشروق»

شارك هذه المقالة