Times of Egypt

قراءة داروين بالعربية 1860-1950.. كتاب مثير

M.Adam
محمد أبو الغار 

محمد أبوالغار 

صدر هذا الكتاب المهم بالإنجليزية عن جامعة شيكاغو.. بقلم مروة الشاكري. تتحدث المؤلفة عن الأكاديمي وايت – الرئيس الأسبق لجامعة كورنيل – الذي كتب عن المشاكل التي تحدث بين الدين والعلم، ومنها نظرية النشوء والارتقاء للعالم تشارلز داروين. كتب الكثيرون في الغرب عن نظرية داروين، ومدى تقبلها من عموم الناس، والمشاكل التي أحدثتها مع الدين المسيحي.

قابل السيد وايت الأستاذ فارس نمر – السوري الأصل والأستاذ السابق في الجامعة البروتستانتية في بيروت.. قبل أن تصبح الجامعة الأمريكية – الذي هاجر إلى مصر وقدَّم للصحافة المصرية جريدة «المقطم» اليومية، ومجلة «اللطائف»، وكذلك مجلة «المقتطف» الشهرية.. وهي المجلة المهتمة بالعلوم والأولى من نوعها بالعربية. وكانت مجلة لها توزيع متميز، وتمت مناقشة نظرية داروين.. في سجال فتح جميع الأفكار المتضاربة. وكان وايت يجيد العربية، وسعد جداً بالنقاش الذي دار حول نظرية داروين، وكان ذلك عام 1896. وحدثت نقاشات حول النظرية ومقارنتها مع أفكار كُتاب قدامى مثل الجاحظ وابن سينا.

نشر داروين كتابه 1859، وفي سيرته الذاتية.. كتب أن «النشوء والارتقاء».. انتشر في العالم كله، وتُرجم إلى جميع لغات العالم، وأحدث دوياً هائلاً. ولكن ماذا قال قراء اللغة العربية؟ 

لا يوجد في الكتاب ذكر للدين، وإنما هو نص علمي، ولذا تقبل عدد من الكُتاب الكاثوليك والبروتستانت الكتاب، وكان هذا هو انطباع القراء الأوائل من المسلمين، الذين كتب أجدادهم بالعربية والأردو والفارسية في أزمنة قديمة أن الحيوان.. درجةٌ أدنى وغير متطورة من الإنسان. وكتابات ابن رشد فيها إشارة لذلك، وكذلك المعتزلة وإخوان الصفا وابن خلدون. ويقول الأستاذ فارس نمر إن القراء – في رسائلهم إلى «المقتطف» – كانوا منبهرين بالحديث عن أن أفكار داروين، وإثباتاته التي تتمشى مع أفكار لمفكرين قدامى من الشرق. ويذكر بحث الشيخ محمد عبده، الذي ينفي أن الدين الإسلامي يعوق التقدم، ويتفق مع المفكر المسيحي فرح أنطون بذلك. ويقول إن الترجمة إلى العربية كانت عاملاً أساسياً في نقل المعرفة في بداية النهضة، ويذكر رفاعة الطهطاوي في الفترة المبكرة. كتب رفاعة الطهطاوي – قبل داروين – بأن العلم والعلماء في فرنسا – يُقصد بهم من يفهم في العلوم الطبيعية مثل الكيمياء والطبيعة والبيولوجيا وغيرها – بينما في مصر يُقصد بها علوم الدين – وقد تم تغيير هذا المفهوم، عندما تطور تعليم التكنولوجيا في مصر، وأدخلت كلمة التطور في اللغة العربية لتلائم التعريف بالنظرية الجديدة.

داروين في القاهرة

صدرت مجلة «المقتطف» في بيروت لصاحبيها النمر وصروف عام 1876، وكانت أول مجلة علمية تتحدث عن المستقبل. وانتقل نمر وصروف من بيروت إلى القاهرة عام 1884، وقاما بإنشاء مطبعة لطبع الكتب والصحف باللغة العربية والإنجليزية. واتصل اللورد كرومر بنمر وساعده في إصدار صحيفة يومية «المقطم» بالعربية.. مؤيدةً للإنجليز على طول الخط، وساعدها كرومر بالإعلانات والاشتراكات، وطباعة مطبوعات السفارة، وزاد توزيع «المقتطف» المجلة العلمية.. أيضاً التي استمرت حتى 1952.

زاد الاهتمام في هذه الفترة بهربرت سبنسر في العالم كله؛ وهو الفيلسوف الباحث في علم الأحياء، والمفكر وصاحب نظرية البقاء للأقوى والأصلح. وطبقها على نظرية داروين واهتمت «المقتطف» به، وعن تصوره عن طرق تغيير المجتمع. وكتب سلامة موسى – في مذكراته – أن مجلة «المقتطف» تُعتبر أهم مصدر للفكر الحديث.. عرَّف قراء العربية عن داروين وسبنسر.

وكتبت «المقتطف» عن المسألة المصرية، وسقوط الإمبراطورية العثمانية – ولكن من وجهة نظر متحيزة لبريطانيا – ونظرية النشوء والارتقاء. وكتبت كل من «المقتطف» و«الهلال» الشهرية عن الأعراق والأجناس.. بعنصرية واضحة تتفق مع وجهة النظر البريطانية، وذلك بعد انتشار الترجمة العربية لكتاب سر التقدم الأنجلوساكسوني لمؤلفه ديمولينز – الذي ترجمه فتحي زغلول.. شقيق الزعيم سعد زغلول – ويقول المؤلف إن التقدم يعتمد على العائلة والتعليم، والصورة القومية الوطنية للمواطن الإنجليزي، وهذه الصفات التي جعلتهم يتفوقون على الجميع. وأن نجاح الإمبراطورية البريطانية كان راجعاً لمؤسساتها.. التي تتمتع بروح الحضارة. وأن الوازع الأخلاقي استخدم في الصناعة والتجارة والسياسة والنجاح الحربي، وأن ذلك بسبب نجاح الفرد البريطاني في مواجهة صعوبات الحياة، بينما المصريون يفتقدون إلى الكرامة، وعندهم روح العبودية، ولا يعتمدون على أنفسهم. 

وكتب فتحي زغلول أنه ترجم الكتاب، حتى يعرف أبناء وطنه أن عليهم أن يتعلموا كيف يعتمدون على أنفسهم، وأن يفكروا ويأخذوا قراراتهم بطريقة علمية.. بعيدة عن المشاعر. وطلب رؤساء تحرير «المقتطف» من المصريين – بعد أن نشروا ترجمة فتحي زغلول – ألا يغضبوا كالمرأة العجوز الوحيدة، وعليهم أن يقوموا بتحليل الموقف، وأن يمسكوا بأسباب الحضارة ويصعدوا بتنفيذ قواعدها. نشرت «المقطم» الكتاب على حلقات، وقد مدح الكتاب أحمد لطفي السيد – المفكر المصري الكبير – قائلاً: علينا أن نتعلم التفكير العلمي وأن نعمل بطريقة علمية، وهذا الكتاب يعلمنا ذلك. وواضح حجم العنصرية الرهيب في الكتاب والخنوع، وأول مرة نُشر اسم داروين بالعربية كان في مجلة «المقتطف» عام 1876، وأثار جدلاً كبيراً ورفضه الكثير من المثقفين، وقالوا: كيف إن أصل الإنسان البهائم، واسترجعوا التفسير الديني لخلق الإنسان.

وقد أصبح اسم داروين على كل لسان من المثقفين، بسبب مقالات «المقتطف». هذا الانتشار الهائل ليس سببه فقط تقدم تكنولوجيا الطباعة وانتشار التعليم، بل الموضوع نفسه وأهمية الفكرة. وبعد أن ترجم شبلي شميل محاضرات أستاذ ألماني عن نظرية التطور، تخيل التطور الذي سوف يحدث في نظم التعليم والمناهج الدراسية الذي سوف ينتشر في الشرق الأوسط.

في الفترة التي دار فيها النقاش حول نظرية داروين كانت الأمية في مصر 94.5%، و80% في القاهرة والإسكندرية.. مقارنةً بانجلترا التي كانت 5%.

وقد أرسل أمين شميل عام 1885 خطاباً للمقتطف، يدَّعي أن نظرية داروين كانت معروفة عند العرب والهنود، وأجابت المجلة بأن النظرية حديثة ولم يسبق أن ذكرها أحدٌ

وظهرت مجموعة من الأبحاث على الجماجم البشرية والبحوث الأحفورية، ولكن المقتطف في عام 1879 نشرت أنه لا يوجد إثباتٌ كافٍ لنظرية داروين. وفي 1882 نشرت المقتطف نعياً للعالم داروين، وكتب صروف ونمر، صاحبا المجلة، أنهما يؤيدان نظرية داروين.

النظرية المادية

يقول المؤلف إن شبلي شميل هو أول من قدَّم النظرية لقارئي العربية، بأن لخَّص الفلسفة المادية.. الألمانية والفرنسية والإنجليزية، مع الفلسفة العربية القديمة من ابن عربي وأبوالعلاء المعري. وبدأ الجدل مبكراً حول الفلسفة، واتسع عام 1886 بدخول جمال الدين الأفغاني إلى حلبة النقاش. تمت ترجمة كتاب قديم له كان باللغة الأردية حين كان يعيش في الهند، وأشرف على الترجمة الشيخ محمد عبده في بيروت، وأشارت ترجمة شميل لكتاب داروين عن الفلاسفة الألمان إلى الكثير من الجدل – الذي بدأ في مجلة «المقتطف» – عن بداية الحياة والحوار الدائر في أوروبا حولها. كان شبلي شميل هو النجم الذي درس الطب والفلسفة الألمانية في إسطنبول ثم في لندن، وعاد إلى مصر وفتح عيادةً في طنطا ثم الإسكندرية، وكانت شهيرةً جداً وبها عدد هائل من المرضى، ثم انتقل إلى القاهرة، وكان يكتب في «المقتطف» عن المادية وعن داروين، وقام بتأليف عدد من الكتب. وفي عام 1914 أنشأ مع الشاب سلامة موسى مجلة المستقبل.. التي أغلقتها السلطات البريطانية، لأنها كانت تحفز المصريين وتدعوهم للاستقلال، وتوفي شميل عام 1917.

ويلخص الكتاب أعمالا هامة كتبها شميل عن التاريخ الطبيعي للأديان. وشرح بالتفصيل نظرية داروين والإثباتات العلمية لها، وفي هذه الفترة أصبح شميل نجماً.. معروفاً بأنه كاتب راديكالي مثقف، وكان على علاقة بالمثقفين من جميع التيارات، فكان عضواً في صالون مي زيادة، وصديقاً للشيخ محمد رشيد رضا، أستاذ حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين.

نقلاً عن «الشروق»

شارك هذه المقالة