زاهي حواس..
توقفنا في المقال السابق.. عند نتائج الأشعة المقطعية التي تم إجراؤها على المومياء، التي يُطلق عليها مومياء«السيدة الصغيرة«، التي عثر عليها فيكتور لوريه في خبيئة المومياوات.. داخل مقبرة الملك أمنحوتب الثاني بوادي الملوك، في عام 1898.
أثبتت نتائج الفحص بالأشعة المقطعية أن مومياء السيدة الصغيرة، لا ينطبق عليها ما قيل بأنه.. أدلة تقطع بكون المومياء خاصة بالملكة نفرتيتي! وقد تم أخذ عينات لفحص الحمض النووي، ومقارنته بنتائج تحاليل المومياوات الأخرى. وهنا كنا على موعد مع كشف مثير لم نتوقعه. ولكن قبل الكشف عن هذه المفاجأة، كانت هناك ملاحظة أخرى.. قادت البعض إلى الاعتقاد بأن مومياء المرأة الشابة هي «نفرتيتي»، ذلك أن الجزء السفلي من الوجه مُدمَّر إلى حد كبير. وقد اقترح البعض أن ذلك الأمر يعكس مدى الانتقام منها؛بسبب قوتها العظيمة، ومكانتها.. هي وزوجها (أخناتون). ويُعد تحطيم الوجه.. أقصى حالات محو الذكرى، يتعرض لها المتوفى في مصر القديمة. وأذكر أنني أعلنت في ذلك الوقت، أن الانتقام من مومياء.. لا يتم بقطع جزء من الوجه! وإنما بتدمير المومياء كلها. وبالفعل، كشفت عملية الفحص بالأشعة المقطعية – بواسطة الفريق المصري – عن وجود قطع دقيقة من العظام المكسورة.. ضمن فجوة الجيوب الأنفية، مما يُقترح بأن الإصابة البالغة التي أصابت الوجه.. قد حدثت قبيل عملية التحنيط، بالأحرى قبل الوفاة.
كانت الأدلة العلمية تشير إلى أن هذه المومياء.. لا تخص الملكة «نفرتيتي»، دون الرجوع إلى نتائج الكشف بالـ CT-Scan. ومن بين تلك النقاط،الرأي بأن المومياء كانت حليقة الرأس، وأن تلك السيدة – مثل العديد من المصريين آنذاك – كانت ترتدي باروكة أثناء حياتها، وقد عُثر داخل المقبرة على باروكة شعر.. ذات طراز نوبي، وكانت الملكة «نفرتيتي» تظهر- في فنون تلك الفترة – مرتدية باروكة نوبية. وفي نفس الوقت كان بعض النساء والرجال يرتدون تلك الباروكات النوبية، لذا فإن وجودها بالمقبرة ،لا يعني أن الملكة «نفرتيتي» قد دُفنت بها.
وهناك فكرة أخرى، اتُخذت كدليل على نسب المومياء لـ«نفرتيتي»، وهي أن الأذن اليسرى مثقوبة مرتين، وكانت «نفرتيتي» تظهر بأذن مثقوبة مرتين. إلا أن هذا الأمر، يمكن أن نراه في العديد من المومياوات من تلك الفترة. وكان العمر المُقدَّر الذي حدده الكشف بأشعة الـCT-Scan هو ما بين 25 – 35 عاماً. وهذا الأمر يتشابه مع العديد من نساء الدولة الحديثة العظيمات. وهذه الأدلة تؤكد أن إعلان الباحثة الإنجليزية – المتخصصة في دراسة المومياوات – كان خطأ فادحاً، وأن الكتاب الذي نُشر – ليعلن هذا الكشف – قد فقد مصداقيته تماماً.
أما المومياء الأخرى – التي عُثر عليها داخل مقبرة أمنحوتب الثاني – فتُعرف بـ «السيدة العجوز»، وقد عُثر عليها محنطة بطريقة جيدة، ولها شعر مموَّج. وقد اقترحت الدراسات السابقة.. أن تلك المرأة قد تُوفيت عن عمر يقارب الخمسين عاماً، وهو ما جعل العديد من العلماء يعتقدون أن تلك المومياء.. هي للملكة «تي».. أم الملك «إخناتون». ومما يدعم تلك النظرية.. عمرها المتقدم، والوضع الملكي الممثل ليديها، حيث الذراع اليسرى مضمومة على الصدر، والذراع اليمنى مستقيمة بجوار الجسد. وبالإضافة إلى ذلك، قام الأمريكي جيمس هاريس (James Harris) في عام 1977، بعمل دراسة لمقارنة خصلة من شعر السيدة العجوز.. مع خصلة أخرى عُثر عليها داخل صندوق صغير، منقوش عليه اسم الملكة «تي».. من مقبرة الملك «توت عنخ آمون»، واستنتج وجود توافق بين الخصلتين.
وعلى الرغم من ذلك، فإن تلك النتائج ما زالت محل جدال، كما أن تحديد هوية المومياء غير مؤكد، كما أن بعض العلماء.. يرون أن تلك السيدة العجوز، هي «نفرتيتي» وليست «تي»! ولذلك فنحن نُعلن بأن نتائج الكشف بالـ CT-Scan لم تؤكد أو ترفض تحديد المومياء بأنها للملكة «تي». وكان تحديد عمر الوفاة – من خلال الاعتماد على وجود تغيرات متوسطة بفقرات العنق وبالركبتين-أشار إلى أن العمر ما بين 40-60 عاماً. ويبدو أننا ما زلنا نحتاج إلى دراسات مستقبلية، قبل الحصول على نتائج تخص هذا الموضوع.
إن المشروع الخاص بدراسة عائلة «توت عنخ آمون».. في غاية الأهمية؛ لأننا لا نعرف من هو الأب الحقيقي للملك الذهبي، فهناك بعض العلماء – وأنا منهم – نعتقد أنه «إخناتون»، والبعض الآخر يعتقد أنه الملك «أمنحتب الثالث»، وأن المومياءخاصة بالملكة «كيا» – زوجة الملك «إخناتون»- التي ماتت وهي تلد الملك «توت عنخ آمون».
عموماً، فإن مشروع دراسة المومياوات الملكية، سيمكننا – لأول مرة – من معرفة معلومات دقيقة عن المومياوات.. التي لا يُعرف الكثير عنها، نظراً لأنه لم يُعثر عليها داخل مقابرها، بل نُقلت إلى أماكن أخرى. وعند النقل، من الوارد أن تكون قد حدثت أخطاء.. بأن وُضعت مومياوات في غير توابيتها، وبالتالي نُسبت إلى غير أصحابها. وهذا هو أهم أهداف المشروع، ألا وهو معرفة أسرار المومياوات بأيدٍ مصرية، بعد أن كانت قاصرة على الأجانب فقط.
نقلاً عن «المصري اليوم»