عبدالله عبدالسلام
منذ انقلاب حزب البعث (الفرع السوري) عام 1963، وحتى سقوط حكم بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، ظلت السمة الأساسية للنظام.. هي التطرف الشديد؛ بل المزايدة على بقية الأنظمة العربية.. بشأن مواجهة إسرائيل. نازعتها في ذلك دول أخرى كالعراق وليبيا والجزائر، إلا أن سوريا الأسدية/البعثية بلغت الذروة.. في ارتداء قميص القضية الفلسطينية، من أجل الدعاية لنفسها، وتشويه الأنظمة الأخرى. تسببت تلك السياسة في كوارث عربية؛ أخطرها توريط مصر والعرب في حرب يونيو 1967. اعتبر النظام السوري نفسه الناطق باسم العروبة، بل الوصي عليها. أليست دمشق قلب العروبة النابض.. كما وصفها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر؟!
لكن التطرف لم ينتهِ بسقوط حكم البعث، بل تواصل مع الحكم الجديد.. ذي الخلفية الدينية المتشددة. انتاب الحكومات العربية والأجنبية القلق.. بل الرعب، من أن يكون هذا الحكم امتداداً لممارسات «داعش والقاعدة»؛ بكل عنفها ودمويتها وظلاميتها. إلا أن أحمد الشرع – رأس النظام – أذهل العالم.. بتحوُّل كامل في التوجهات والسياسات، وتحديداً تجاه إسرائيل وأمريكا.
في بداية حكمه، لم يتحدث كثيراً عن توجهاته. كلامه كان عاماً وغائماً. لم يستغرق وقتاً طويلاً حتى حدث الانتقال إلى النقيض الكامل تقريباً. بعد أن كانت «الميليشيات».. التي يتألف منها النظام، تقول إنها هي التي ستحرر فلسطين التاريخية، يسابق النظام نفسه الآن، في اتخاذ خطوات التقارب من إسرائيل: مبادرات مجانية شبه يومية، محادثات سورية-إسرائيلية برعاية تركيا في أذربيجان، حديث إيجابي عن الانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية؛ أي التطبيع مع إسرائيل، تسليم الموساد ملفات ووثائق ومتعلقات شخصية للجاسوس إيلي كوهين، الذي أعدمته سوريا 1965.. بعد أن اخترق قمة النظام السوري، وحصل على معلومات «لا مثيل لها»، ساهمت في هزيمة يونيو.
كيف وصلت السلطة السورية إلى هذا الإفراط – بل التفريط – في التنازل عن الثوابت؟
من اليوم الأول، لدخولها دمشق، أشعرتها إسرائيل.. بأن بقاءها في الحكم مرهون برضاها. دللت على ذلك باستباحة دائمة للأرض والجو والبحر «السوري»؛ تدمير كامل القدرات النوعية العسكرية، ومخازن الأسلحة الكيماوية. احتلال الجانب السوري من المنطقة العازلة.. منزوعة السلاح. لم يكن هناك خيار أمامها سوى الاتصال غير المباشر – وربما المباشر – بإسرائيل؛ ليس لطمأنتها فقط، بل والسعي لعلاقات حُسن جوار معها.
ثم جاءت زيارة ترامب الخليجية، ولقاؤه مع الشرع.. ليؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ البلاد.
تحدَّث كثيرون عن تكرُّم ترامب.. بإعلان السعي لرفع العقوبات عن سوريا، لكن لائحة الشروط – التي وضعها – قد تكون الأكثر كلفة على الإطلاق. إنها امتداد – بشكل أو بآخر – للضربات العسكرية الإسرائيلية.. التي مهَّدت الأرض لإجبار الشرع وحكومته على السير في الطريق الجديد.
ترامب كان فقط «يقص شريط» التحول السوري: تطبيع مع إسرائيل، وطرد المنظمات الفلسطينية.. بدعوى مكافحة الإرهاب، فتح الأراضي السورية أمام الشركات الأمريكية.
سوريا.. التي عرفناها سابقاً، مرحلة وانقضت. كانت تتزعم قوى المقاومة، والآن تطمح لقيادة «الهرولة» لإسرائيل.
ومع ذلك، فإن المطلوب عدم تركها وحيدة من جانب العرب. محاولة «فرملة» الاندفاعة السورية.. تستحق مد اليد لنظام الحكم، رغم كل المآخذ عليه.
نقلاً عن «المصري اليوم»