Times of Egypt

تجديد الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط

M.Adam

د. جمال عبدالجواد

في زياراته لدول الخليج، تحدَّث الرئيس الأمريكي مراراً عن قوة أمريكا العسكرية.. التي لا يضاهيها أي بلد آخر، واستعرض التحديثات المذهلة.. الجاري إدخالها على الترسانة الأمريكية. زار الرئيس ترامب القاعدة الأمريكية في قطر، وفاخر بالميزانية العسكرية الأمريكية التي قاربت التريليون دولار. 

لم يكن حديث الرئيس عن القوة العسكرية الأمريكية في الخليج من قبيل التفاخر الفارغ، فقد أكد في كل مرة تحدَّث فيها عن القوة العسكرية الأمريكية، أن هذه القوة هي للدفاع عن أمريكا وأصدقائها.. نعم، أصدقاؤها؛ على عكس ما هو معروف عن الرئيس الأمريكي من شُح شديد في توفير الضمانات الأمنية للحلفاء والأصدقاء. زيارة الرئيس ترامب للخليج – وما شملته من قرارات واتفاقات – هي إعلان تجديد الالتزام الأمريكي بأمن الخليج، بعد فترة حامت فيها شكوك قوية.. حول جدية الالتزام الأمريكي بأمن المنطقة.

اتجهت الإدارات الأمريكية – منذ رئاسة باراك أوباما – للحد من التزامات أمريكا في الشرق الأوسط. حدث هذا بسبب صعود القوة الصينية، والحاجة لتوجيه قسم أكبر من الموارد الأمريكية لآسيا والمحيط الهادي. حدث هذا أيضاً بسبب النظرة السلبية لمصادر الطاقة الأحفورية.. باعتبارها المسؤولة عن الاحترار العالمي، والاتجاه المتزايد للاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة النظيفة؛ بما انطوى عليه ذلك من تراجُع أسهم الدول المنتجة للنفط. حدث تراجُع الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط أيضاً.. بسبب تراجُع أهمية نفط المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة؛ التي أصبحت تحتل المركز الرابع بين أكبر مُصدري النفط في العالم، والمركز الأول بين مُصدري الغاز، فأصبحت منافساً لدول الخليج، وتراجُع اهتمامها بتأمين إمدادات النفط القادم من المنطقة، والذي يذهب معظمه لمنافسيها في آسيا.

رغم الاختلافات الكبيرة بينهما، فإن الرئيسين ترامب وبايدن.. اتبعاً سياسات متشابهة فيما يخص تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة. لقد كان عام 2019 – في منتصف فترة رئاسة ترامب الأولى – عاماً حاسماً؛ ففي شهر مايو من ذلك العام، تعرضت سفن تجارية من جنسيات مختلفة لعمليات تخريب.. في أثناء رسوِّها في ميناء تابع لدولة الإمارات. في سبتمبر من العام نفسه، هاجمت مُسيرات انطلقت من اليمن.. منشآت نفط سعودية رئيسية، تقع على بعد خمسمائة كيلومتر داخل أراضي المملكة. الحادثان – على خطورتهما – مرا من دون رد فعل من جانب الولايات المتحدة، التي كان يُظن – حتى ذلك الوقت – أنها معنية بأمن الخليج. في يناير 2022.. بعد عام من بدء رئاسة الديمقراطي بايدن، تعرَّض مطار أبوظبي لهجوم بمُسيرات قادمة أيضاً من اليمن. مثل الاعتداءات السابقة، مر الهجوم على مطار أبو ظبي.. دون رد فعل من جانب الأمريكيين. قبل ذلك بستة أشهر، كانت إدارة بايدن قد سحبت بطاريات دفاع جوي من طرازات باتريوت وثاد.. من الشرق الأوسط، وأعادت نشرها في آسيا.

أعادت هذه التطورات طرح السؤال القديم عن أمن الخليج؛ منطقة شديدة الثراء، يطمع فيها الكثيرون، وتعاني خللاً سكانياً بالغاً. المصالحة مع إيران، والانفتاح على الصين وروسيا.. كانت هي الرد الخليجي على التهديدات.. في طبعتها الأحدث. لكن يبدو أن ذلك لم يكن كافياً، وأنه كان من الضروري استعادة التزام أمريكا بأمن الخليج؛ الأمر الذي تحقق في جولة الرئيس ترامب الأخيرة.

لم يعد نفط الخليج سبباً كافياً لاهتمام أمريكا بأمن المنطقة، لكن المال الوفير الموجود في المنطقة.. يقدم سبباً بديلاً للاهتمام بها. للرئيس الأمريكي طريقة خاصة في النظر إلى القدرات الأمريكية. سوق أمريكا الكبيرة، وقدراتها العسكرية المتفوقة.. هي أهم ما تملكه الولايات المتحدة؛ ويجب عدم التفريط في هذين العنصرين، أو إتاحتهما مجاناً للآخرين. فمن يُريد الدخول بصادراته إلى السوق الأمريكية، فعليه فتح سوقه لدخول السلع الأمريكية. ومن يُريد التمتع بالحماية الأمريكية، فعليه دفع مقابل ذلك.. لأن الأمن ليس خدمة مجانية، تقدمها الولايات المتحدة للمحتاجين والضعفاء. الاضطراب الكبير الذي أحدثه الرئيس الأمريكي في النظام الدولي.. منذ وصوله ثانية للبيت الأبيض، يدور حول هاتين النقطتين: إعادة التفاوض حول شروط الدخول إلى السوق الأمريكية الكبيرة، وحول شروط التمتع بالحماية الأمريكية. وقد تم الربط المحكم.. بين الاقتصاد والأمن في الجولة الخليجية.

ما حدث في جولة ترامب الخليجية الأخيرة.. هو عملية تجديد، وإعادة صياغة للروابط بين الولايات المتحدة ودول الخليج. 

… في الماضي كانت دول الخليج تصدر النفط، وتشتري السلاح الأمريكي، وتحصل على الأمن. لم يعد هذا كافياً بالنسبة للرئيس ترامب، الذي يرى أنه على الدول المستفيدة من الحماية الأمريكية.. شراء السلاح، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من السلع والخدمات الأمريكية، والدخول في علاقات استثمار سخية مع الولايات المتحدة. على عكس الماضي، فإن الأموال لن يتم دفعها مقابل الحصول على سلع رفاهية استهلاكية، لكن مقابل مشروعات في مجالات الدفاع، والتطوير، والتكنولوجيا، والطاقة.. ضمن خطة تحديث الاقتصاد والمجتمع في بلدان الخليج. لقد تم إرضاء الرئيس ترامب ومجتمع الأعمال الأمريكي، لكن أيضاً تم تعظيم الاستفادة لمجتمعات واقتصادات الخليج.

لقد جددت الولايات المتحدة التزامها بأمن الخليج، ويرتبط بذلك زيادة الوجود الأمريكي في المنطقة، فهل هذا أمر إيجابي أم سلبي.. من وجهة نظر دول الشرق الأوسط الأوسع؟ وكيف يمكن التكيف مع هذا المتغير المهم، وتعظيم الفوائد التي يمكن تحقيقها من ورائه والحد من مخاطره؟

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة