أحمد الجمال
في الخميس 14 مارس 2018، كتبت في «الأهرام» مقالاً بعنوان «زيارة ولي العهد.. قراءة مغايرة»، أوجزت فيه بعض الخطوط العريضة.. التي تضمَّنها حديث للأمير محمد بن سلمان في منزل السفير السعودي في القاهرة – آنذاك – الأستاذ أحمد القطان، وحضره لفيف من الكُتاب والمثقفين والصحفيين والإعلاميين، واستمر أكثر من ساعة.
ومما جاء في ذلك المقال وبالنص: «… ثم إن صميم الأمر عندي هو أن مصر.. الشعب والمؤسسات، وأيضاً النخب، خاصة المثقفين وأهل السياسة والمال، ما لم تدرك – بكل مكوناتها – أن ثمة متغيراً كيفياً عميقاً.. حفر مجراه ودارت عجلته في المملكة العربية السعودية، وأنه يتعيَّن أن تواكب مصر هذا المتغير الكيفي الإيجابي، بل فائق الإيجابية، وإلا ستتحول وتائر الإيقاعات وتسارُعها.. من فروق بسيطة تقاس بالخطوات.. إلى متواليات عددية، وربما هندسية، وإذا حدث – لا قدَّر الله – ولم يتوافر في التركيبة المصرية ككل، ما يتم تحقيقه للتركيبة السعودية.. فإن السيناريوهات تحتمل بعض البدائل وخيمة الأثر».
وبالطبع فلست بصدد إعادة نشر مقال 14 مارس 2018 كله، ولا بصدد مدح ذاتي عن نبوءات كاتب، وإنما بصدد عدة أمور أراها مهمة.
أولها: حتمية الحفاظ على قوة ومتانة النسيج المصري-السعودي. وهنا أشير إلى ما قاله الرئيس السيسي عندما نُشرت بعض السطور.. التي اعتُبرت قدحاً في شأن إخوتنا، إذ قال الرئيس: «لا تنسوا الفضل بينكم»، وفي أكثر من مناسبة مذاعة تلفزيونياً، وعلى الهواء، أكد السيد الرئيس ذلك المعنى.
وثانيها: أن يدرك البعض.. أن كل دولة في العالم حرة في علاقاتها، وفي استخدام وتوظيف مواردها، وفي التخطيط لمستقبل اقتصادها وعلاقاتها الدولية.
أما ثالث ما أود الإشارة إليه.. فهو أننا مطالبون اليوم بألا نضيع مزيداً من الوقت ونهدر الجهد ونرهق الأذهان.. بأمور لا نستطيع تغييرها، ولا نحن أصلاً جهة تغييرها، وإنما نصرف كل الوقت والجهد والتفكير والعمل لننقل وطننا.. نقلات كيفية في كل المجالات؛ خاصة أننا نعيش وسط إقليم حافل بالمتغيرات الدرامية الحادة، ونواجه تحديات رهيبة في الداخل والخارج، وليس معقولاً أن تخطو مجتمعات ودول في إقليمنا.. خطوات هائلة تجاه التقنيات المتقدمة في الذكاء الاصطناعي، وفي البحث العلمي، وفي حلول علمية وعملية لمشاكل ندرة الموارد المائية والزراعية، وفي استكمال منظومات التحول الرقمي في كل المجالات، بينما يتجه البعض منا إلى إعادة إحياء دور «الكتاتيب» وكتب «القراءة الرشيدة» كمدخل وحيد لتطوير التعليم.
أما رابعاً: فهو أن النخب المصرية.. خاصة في مجال الإعلام والصحافة ومؤسسات البحث العلمي والتعليم؛ مطالبة بالخروج تماماً ونهائياً من مستنقع المعارك الماضوية، والخلافات الأيديولوجية والفقهية والمذهبية، وتعميق الفجوات الاجتماعية؛ لأن أي عين مراقبة.. لا تخطئ شيوع تلك السلبيات «المستنقعية» – إذا جاز الاشتقاق – على صفحات الجرائد وفي المقالات وفي اللقاءات التلفزيونية، ولا أريد أن أضرب أمثلة فادحة على ذلك، ويكفي أن أذكر – على سبيل المثال وليس الحصر – موضوعات مثل شريط الحديث الذي دار بين الرئيسين عبدالناصر والقذافي، وقضية العلاقة بين المالك والمستأجر في المباني القديمة، وقضية رسوم التقاضي، وقضية طفل دمنهور، وقضية تنظيم الفتوى.. تلك الأمور أخذت وتأخذ حيزاً رهيباً من تفكير الناس، وتصرف أذهانهم عن الانشغال بما يتعين التفكير فيه، في مجتمع يواجه تحديات طبيعية كالتصحر والتبحر – أي هجوم البحر – وندرة المياه، وتحديات أخرى في التعليم والصحة والإنتاج وغيرها.
وهنا أجد لزاماً أن أشير إلى أن مجتمعات أخرى.. واجهت مشكلة الجهات المنوط بها تطبيقات شرعية، ودورها.. الذي اعتبر هناك معوقاً للتغيير والتقدم، فتم ضربها وتقويض وجودها.. بغير لجج أو مماحكة، وواجهت مشكلة استفحال ما يُطلق عليه «فساد الكبار»، الذين ظنوا – وظن المجتمع – أن لا أحد يقدر على مواجهتهم، ولكن المواجهة تمت وعلناً.. وعرفتها الدنيا كلها، وتم قطع دابر الظاهرة، وهلم جراً.
دعونا ننشغل، وأيضاً نشتغل.. على حالنا، ونعمل على توظيف إمكاناتنا.. التي ثبت أن غيرنا لا يمتلك مثلها، ونبدع في خلق وتطوير إمكانات متجددة في كل المجالات، لأنه لا يُعقل – ولا يُقبل – أن نرى رئيس الدولة وهو يعمل ليل نهار.. ومعه فريق العمل – خاصة الخارجية المصرية – لمواجهة التحديات الرهيبة.. المهددة لأمن مصر القومي، وترابها واستقرارها وقرارها، وسط عواصف إقليمية ودولية عاتية، ثم نجلس لنراقب أو ننتقد، أو نفتح معارك جانبية.. ضد آخرين في الإقليم، ولا نقدم شيئاً.. فيما يجب أن يكون هو عملنا وشغلنا الشاغل.
نقلاً عن «الأهرام»