عبدالقادر شهيب
الإعلام الإسرائيلي يتحدث – في الأسابيع الأخيرة – عن غضب ترامب من نتنياهو؛ لأنه لا يسمع الكلام، ولا ينفذ ما يطلبه منه. ولذلك خاصمه وتجاهله.. في العديد من الأمور. ومؤخراً يقول الإعلام الإسرائيلي: إن غضب ترامب من نتنياهو ازداد، حتى بلغ مرحلة نفاد الصبر، وهي مرحلة الحافة.. لاتخاذ عقوبات أو فرض قرارات! واستند الإعلام الإسرائيلي – فيما يروِّجه حول غضب الرئيس الأمريكي من رئيس الوزراء الإسرائيلي – إلى بعض الأمور؛ منها قيام الأول بالتفاوض مع إيران.. سعياً للتوصل إلى اتفاق معها حول ملفها النووي، على غير رغبة الثاني.. الذي تمنَّى تعامُل أمريكا عسكرياً مع إيران. ثم اتفاق أمريكا مع الحوثيين.. للتوقف عن استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر، دون إلزامهم بعدم استهداف إسرائيل بالصواريخ. وأيضاً عدم قيام ترامب بزيارة إسرائيل.. ضمن جولته الخليجية. وكذلك تفاوض أمريكا مجدداً.. مع حركة حماس.. بشكل مباشر؛ وهي المفاوضات التي أسفرت عن الإفراج عن الجندي الإسرائيلي (الأمريكي الجنسية) الذي كان محتجزا في غزة – مقابل تعهُّد أمريكا باستئناف إدخال المساعدات مجدداً ..لأهالي غزة، على غير رغبة نتنياهو وحكومته. وهو ما بدا واضحاً في تبريره القبول بذلك، الذي أرجعه لأسباب دبلوماسية!
غير أن الذي يدقق.. فيما يقوله الإعلام الإسرائيلي حول خصام ترامب ونتنياهو، سوف يكتشف أن ذلك يمثل فقط.. نصف الحقيقة. وهذا النصف الأول من الحقيقة، يمثل اختلافاً أمريكياً-إسرائيلياً، يمكن ملاحظته الآن حول الحرب الإسرائيلية ضد أهل غزة، فإن إدارة ترامب بدأت تنظر إليها بعيون مختلفة.. عن نظرتها السابقة؛ فهي تراها الآن وحشية.. كما وصفها ترامب بنفسه. وبالتالي، ترفض التصعيد في العمليات العسكرية البرية في القطاع، الذي تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي الآن.. ومنذ بضعة أيام مضت، وترى أنه يتعين إدخال المساعدات إلى أهالي القطاع.
بل ترى أنه لا فائدة إسرائيلية من استمرار هذه الحرب، وأنه يتعين التوصُّل إلى اتفاق.. يُفضي إلى وقفها مستقبلاً، وهو ما يمكن ملاحظته في اقتراح «ويتكوف» الجديد، للتوصل إلى هدنة جديدة طويلة نسبياً.. يتم فيها التفاوض حول إنهاء هذه الحرب؛ كما كان اتفاق يناير.. الذي خرقته إسرائيل، ولم تنفذ إلا مرحلته الأولى فقط.. لتتهرب من تنفيذ التزاماتها في المرحلتين الثانية والثالثة، التي تتمثل في الوقف المستدام لإطلاق النار، والانسحاب الكامل لقواتها من القطاع.
هذا عن النصف الأول من الحقيقة، أما النصف الثاني الآخر منها.. فهو يتمثل في أن الإدارة الأمريكية، لا تفعل شيئاً لكي تجعل إسرائيل توقف التصعيد في عملياتها العسكرية بالقطاع، أو منع توسيع احتلال قواتها لأراضيه.. لتشمل كل مساحة القطاع، أي أنها لا تمارس ضغوطاً يمكن فرضها على إسرائيل.. لتوقف تلك الحرب البشعة ضد أهل غزة.
هذا ما بدا جلياً فيما فعله نائب الرئيس ترامب، حينما أرجأ زيارته لإسرائيل؛ حتى لا يفهم أن أمريكا موافقة على توسيع العمليات العسكرية بقطاع غزة، بينما كان في مقدور الإدارة الأمريكية أن تلوِّح – كما فعلت بريطانيا – بوقف تنفيذ اتفاقات السلاح مع إسرائيل، لكي يمتثل نتنياهو، ويوقف تلك الحرب البشعة.. التي حولت كل أهلها إلى نازحين بشكل مستمر ومستدام!
وحتى حينما قامت واشنطن بالضغط على نتنياهو.. لإدخال المساعدات الإغاثية لأهالي القطاع، فإن ضغوطها هذه.. لم تسمح إلا بإدخال عدد محدود جداً من شاحنات المساعدات، لا تكفي لوقف المجاعة التي يعاني منها أهل غزة، بعد حرمانهم منذ مارس الماضي.. من الغذاء والدواء.
وهكذا.. الغضب الأمريكي من حكومة نتنياهو، هو غضب مع وقف التنفيذ.. أو غضب بلا تداعيات وآثار ونتائج.. غضب دبلوماسي أو على الورق فقط.. وهذا ليس مجرد استنتاج، وإنما أمرٌ اعترف به نائب الرئيس الأمريكي ذاته، عندما قال إن واشنطن لا توافق على توسيع العمليات العسكرية البرية في غزة، لكنها لا تضغط عليها لوقفها.
مثل هذا الغضب الدبلوماسي – الذي على الورق فقط – لا ينقذ أهل غزة من حرب الإبادة والتجويع.. التي يتعرضون لها منذ تسعة عشر شهراً حتى الآن؛ بقسوة بالغة شديدة جداً.. إنهم (مواطنوا غزة) يريدون أن يتوقف نزوحهم، وقتلهم، وتجويعهم، وتدمير ما تبقى من مبانيها….
ثم إعادة إعمار القطاع، ليصير صالحاً للحياة مجدداً..
باختصار، يريدون أن تتحرك أمريكا لإنقاذهم من هذا الجحيم.. بعد نفاد صبر رئيسها!
نقلاً عن «الأخبار»