Times of Egypt

سوريا في جولة ترامب الخليجية 

M.Adam
نيفين مسعد

د. نيفين مسعد 

لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولع خاص بأسلوب الصدمات/المفاجآت.. في الإعلان عن قراراته الخارجية والداخلية على حد سواء. وكلنا نذكر مفاجأة «ريفييرا الشرق الأوسط».. التي فجَّرها ترامب في حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فاختلطت في وجه هذا الأخير تعبيرات الدهشة.. بالسعادة الغامرة؛ بسبب الخبر الذي ربما تفوَّق على أحلامه.  

وقبل أيام من قيام ترامب بجولته الخليجية، تكرَّر الإعلان – أكثر من مرة – عن أن هناك مفاجأة أمريكية مرتقبة.. آتية في الطريق، وانتشرت على نطاق واسع أنباء عن مبادرة شاملة لتسوية سياسية للقضية الفلسطينية؛ تتضمَّن إنشاء إدارة عربية في قطاع غزة، ونزع سلاح «حماس»، وترحيل عناصرها خارج القطاع، ثم إذا بخبر خفض أسعار الأدوية الأمريكية يأتي.. ليدير انتباه العالم في اتجاه آخر تماماً. 

وأخيراً اتضح أن تخفيض سعر الدواء الأمريكي.. ليس سوى الشق الداخلي فقط من المفاجأة، أما الشق الخارجي – الذي له علاقة بجولة ترامب الخليجية – فكان قراره رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، التي كان قد تم فرضها بموجب قانون أقرَّه الكونجرس الأمريكي في عام 2019.. تحت اسم «قانون قيصر».. لحماية المدنيين في سوريا. ولا أعتقد أنه سبق من قبل لأي رئيس أمريكي – وأجازف بالقول ولا حتى رئيس أي دولة أخرى في العالم – أن لجأ إلى مفاجأة العالم بقراراته.. بهذه الكثافة، خلال فترة زمنية قصيرة للغاية. 

 ومن المفهوم أن السرية.. قد تكون مطلوبة، لإنجاح بعض الإنجازات الدبلوماسية – كما حدث مع المفاوضات النووية الأمريكية-الإيرانية مثلاً – حيث يكون التكتُّم على مسار العملية التفاوضية.. من عوامل حمايتها من التخريب، لكن ترامب تجاوز بكثير.. هذا التعامل الوظيفي الانتقائي مع أسلوب المفاجأة، إلى ما يشبه الإدارة المستمرة بالمفاجآت الضخمة – وحتى اللامعقولة – من نوع ضم كندا وجرينلاند. وبالتالي، فمع أنه بالتأكيد كانت هناك جهود خليجية وتركية حثيثة، مهَّدت لإقناع ترامب برفع العقوبات عن سوريا، إلا أن اتخاذه قرار الرفع بهذه الكيفية.. فاجأ حتى وزارة الخزانة الأمريكية، التي وجدت أن عليها التعامل مع قرار لا علم سابقاً لها به، كما أنه – لا شك – فاجأ الدول الغربية التي تعاملت حتى الآن مع رفع العقوبات عن سوريا بشكل جزئي، يرتبط بمدى تقدُّم الإدارة الحالية في مسار الإصلاح السياسي. 

مثَّل رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا خبراً سعيداً بالنسبة للشعب السوري، فمن المعروف أن الشعوب وحدها.. هي التي تتحمَّل أضرار العقوبات الاقتصادية الدولية – وهذه معلومة موثوقة ومجرَّبة – فلا أحد يشك في أن نظام بشار الأسد كان يعيش حياة طبيعية تماماً.. في قصر الشعب، في الوقت الذي قُطع فيه كل تواصُل بين سوريا وبين النظام المصرفي العالمي. ومع ذلك، لا تتوَّرع الإدارات الأمريكية المتعاقبة – وإدارة ترامب بالذات – عن الاستخدام الكثيف لسياسة الضغوط الاقتصادية القصوى.. على الدول التي تعتبرها دولاً مارقة، فهذه إذن ملاحظة عامة على سلاح العقوبات الاقتصادية وحدود تأثيره.  

فإذا ما انتقلنا إلى التفاصيل المحيطة بلقاء ترامب مع الشرع، نتبيَّن البراجماتية العالية جداً، التي جعلت الرئيس الأمريكي يطري رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، ويصفه بالرائع والجذاب والقوي، بينما هو «الجهادي».. الذي شدَّ الرحال إلى العراق بعد الغزو الأمريكي، لينضم إلى صفوف المقاومة، ويحارب القوات الأمريكية، ويُسجن لسنوات.  

في التفاصيل أيضاً، نلحظ مطالبة ترامب للشرع بتحمُّل مسؤولية تأمين مراكز احتجاز «داعش».. في شمال شرق سوريا، وهو ما يمثّل ترضيةً أخرى لتركيا – بعد أن تمَّت ترضيتها برفع العقوبات عن سوريا – فلطالما عرضت تركيا أن تتولَّى بنفسها مهام تأمين مراكز احتجاز الدواعش وأسرهم في سوريا. ومن خلف هذا العرض، تكمن الرغبة في تجريد قوات سوريا الديمقراطية من ورقة مهمة.. لتحسين شروطها التفاوضية على وضعها في ظل النظام السوري السابق والحالي. وبالمناسبة فإن هذه المهمة لن تكون سهلة بالنسبة لنظام الشرع؛ بالنظر إلى العداء بينه وبين بعض العناصر الداعشية.. التي قام بتصفيتها في إطار معركة الصراع على سوريا. 

لكن براجماتية الإسلام السياسي – الذي تقلَّب أحمد الشرع بين جماعاته المختلفة وصولاً إلى هيئة تحرير الشام – لا تقل بأي حال عن براجماتية الإدارات الأمريكية. ففي الوقت الذي يحث فيه ممثلو جماعات الإسلام السياسي الدول العربية والإسلامية – ومصر بالذات – على الانخراط العسكري في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وينتقدون التخلي عن القدس.. أولى القِبلتين وثالث الحرمين الشريفين، يتعهَّد الشرع من أول لحظة بعدم مهاجمة إسرائيل، ويبتلع – على مضض – التوسِّع الإسرائيلي العميق داخل الأراضي السورية. وعلى المستوى الشخصي، لا أستبعد أبداً أن تستجيب الإدارة السورية الحالية لطلب ترامب.. تطبيع علاقتها مع إسرائيل؛ حتى وإن لم يرد حرف واحد في الإشارات القليلة لترامب حول غزة عن حل الدولتين، وحتى ولو جاءت هذه الإشارات محمَّلة بإيحاءات سلبية، فضلاً عن مطالبة ترامب للشرع نفسه.. بطرد مَن يسميهم بالإرهابيين الفلسطينيين. 

 وربما يكون خبر التطبيع الفعلي بين سوريا وإسرائيل.. هو المفاجأة الجديدة التي يدَّخرها لنا الرئيس الأمريكي، فلم يعد هناك أي شيء مستبعد في الشرق الأوسط الجديد. وربما يكون العائق – الوحيد الذي يعطل هذا التطبيع لبعض الوقت – هو تصميم إسرائيل على التمسِّك بالأراضي السورية المحتلة.. تحت مسمَّى المنطقة العازلة، وهو أمر (قد) يسبب بعض الحرج لنظام الشرع.  

وجدير بالملاحظة، أن المتابع لتصريحات المحللين السوريين.. حول إمكانية التطبيع مع إسرائيل، يجد فيها مناورةً ومداورةً، وتجنباً للخوض في التفاصيل، وذلك في انتظار أن تأتي إشارة البدء من الخارج. ولا ننسى أن تركيا كانت تتوسط لتطبيع العلاقة بين نظام بشار الأسد وإسرائيل، ثم جاءت الثورة السورية لتقلب المشهد، وتُباعد بين أردوغان وبشار، وتركيا هي صاحبة مصلحة أكيدة في وقف الضربات الإسرائيلية المتتالية على سوريا.. في ظل حكم الشرع. والخلاصة أننا في مسألة التطبيع.. إزاء عنصر يتعلق بالتوقيت المناسب لاتخاذ القرار، ولا يتعلق برفض التطبيع نفسه من حيث المبدأ. 

أمامنا أربعة وأربعون شهراً – على الأقل – من المفاجآت الأمريكية المتتالية، حتى تنتهي مدة ترامب الثانية، واحتمال تغيير الدستور الأمريكي.. لفتح مدد الولاية أمام ترامب؛ وإن كان احتمالاً صعباً – ودونه تعقيدات كثيرة – لكنه ليس بمستحيل. 

نقلاً عن «الأهرام» 

شارك هذه المقالة