عبدالله عبدالسلام
«لأول مرة منذ 4500 عام، يعود صوت هرم خوفو.. إلى الظهور مرة أخرى. ليس صوت الكهنة أو الفراعنة، بل صوت الرجال الذين جعلوا ذلك ممكناً، وهم يقودون مراكبهم من المحجر إلى الرصيف.. ومن الرصيف إلى المحجر». هكذا ختم الدكتور روبرت تشوفي – أستاذ الدراسات الكلاسيكية فى كلية «بارد» بنيويورك – عرضه المطوَّل الشيِّق فى مجلة لندن.. المتخصصة في عرض الكتب، لكتاب صدر قبل شهور، وأتمنى أن يعكف أحد المتخصصين في الآثار عندنا لترجمته. عنوانه: «مخطوطات البحر الأحمر.. كيف تكشف البرديات القديمة أسرار الأهرامات» من تأليف عالمي الآثار الشهيرين الفرنسي بيير تاليه والأمريكي مارك لينر.
كيف تم بناء الأهرامات؟ ومن بناها؟ وعددهم؟ وكيف قاموا بمهمتهم؟. معظم الروايات عن ذلك مأخوذة من هيرودوت – المؤرخ اليوناني القديم – الذي ادعى أن الملك خوفو أجبر المصريين على بناء هرمه، ودفعهم إلى حالة بؤس تام. أمر 100 ألف عامل مصري.. بنقل الأحجار لمدة 4 أشهر متواصلة. بحسب هيرودوت، بنى العمال أولاً.. مجموعة من الدرجات، ثم استخدموا الرافعات لملء الفجوات، وتشييد جوانب الهرم الملساء، واستغرق البناء 20 عاما.
لكن في 12 مارس 2013، اكتشف مجموعة من علماء الآثار الفرنسيين والمصريين.. أوراق بردي، تُعتبر الأقدم على الإطلاق، في وادي الجرف.. الميناء المصري القديم على البحر الأحمر. تُقدم البرديات نظرة غير مسبوقة.. على العمليات اللوجستية والأشغال اليومية، التي جرى بناء الهرم الأكبر من خلالها، وترسم صورة يومية مذهلة.. للعمل والعمال، وكيف كانت تتم مكافأتهم؟ نجم البرديات الأول.. المفتش المصري ميرر؛ الموظف متوسط الرتبة، والمشرف على فريق من 40 رجلاً، كانوا ينقلون الحجر الجيري.. من جنوب طرة إلى موقع الهرم على متن سفينة.
غمس ميرر قلمه – المصنوع من القصب – في الحبر، وسجَّل يومياته.. واصفاً – بخط – دقيق أنشطة فريقه. قدَّم معلومات عن كل شيء؛ من توصيل الطعام، إلى شراء أدوات قطع الحجارة.. وغيرها. على سبيل المثال: «في اليوم 25، يقضي المفتش ميرر يومه مع فريقه.. في نقل الأحجار، ويمضي الليلة في جنوب طرة. اليوم 26: يُبحر ميرر مع فريقه.. محملين بالحجارة، إلى مكان البناء، ويقضي الليلة هناك». لا يصف المفتش أبداً شعوره.. إزاء البناء العظيم، لكن تالييه يفسر ذلك.. بأنه ربما وجد أنه من غير الضروري، وصف البناء لجمهوره المعاصر. إن نصه أشبه بسجل سفينة.. منه بالمذكرات. تبين اليوميات أن ميرر ورجاله.. كانوا بحالة جيدة. فبالإضافة إلى وفرة الخبز، حصلوا على الدواجن والأسماك والفواكه والعسل والكعك، وأنواع عديدة من المشروبات.
هناك أيضاً برديات كتبها رئيس ميرر – ويُدعى ديدي – يوثِّق فيها أجور العمال، وهي عبارة عن قطع من القماش. بالطبع كان نقل قطع الحجر الجيري الكبيرة (احتاج بناء هرم خوفو إلى 2.5 مليون متر مكعب من الأحجار) مرهقاً وشاقاً، إلا أن الصورة الواقعية – التي يرسمها ميرر وديدي – بعيدة تماماً عن زعم هيرودوت.. عن حشود الرجال البائسين.
الأهرامات لم يشيدها عمال السُخرة، بل مصريون أحرار.. حصلوا على أجر جيد. الأهم، أنهم كانوا يشعرون بالرضا.. لبناء هذا الصرح العظيم.
نقلاً عن «المصري اليوم»