Times of Egypt

هل الحروب قدَر على الإنسانية التعايش معه؟

M.Adam
سمير مرقص 

سمير مرقص
نعم – حاسمة – الحروب هي قدَر الإنسان الذي عليه أن يتعايش معه. هكذا كانت خلاصة دراسة بعنوان: «زمن الحروب التي لا نهاية لها؛ لأستاذ دراسات الحروب بكلية ِكنت )بلندن) البروفيسور «لورانس فريدمان».. المنشورة في عدد مايو/ يونيو 2025 من دورية «فورين أفيرز» الأمريكية.
ينطلق «فريدمان» في دراسته.. من أن كل الحروب والعمليات والحملات العسكرية، كانت تبدأ بهدف تحقيق انتصارات حاسمة وسريعة – بدرجة أو أخرى – ولكن التاريخ يقول لنا.. أنها كانت إما يطول مداها، أو تفتح الباب إلى مزيد من الحروب اللاحقة. ولهذا أطلق على هذه الحروب: الحروب الممتدة والتي لا حد لها أو الحروب الأبدية Forever Wars.
ويؤصِّل الكاتب لتاريخية هذه الحروب.. بالعودة إلى حروب القرن التاسع عشر؛ التي انطلقت وفق تفكير عسكري يعتمد التخطيط والتنفيذ.. لعمليات عسكرية هجومية، تتسم بالمفاجأة، ينتج عنها تحقيق انتصارات سريعة وحاسمة ونهائية. إلا أن الواقع دوماً – بحسب حقائق التاريخ – أثبت، المرة تلو الأخرى، مدى صعوبة بلوغ انتصار مُرضٍ ومقنع في وقت قصير.
وليس أدل على ذلك، من أن القادة الأوروبيين العسكريين ـ والسياسيين ـ كانوا على يقين من أن الحرب.. التي بدأت في صيف 1914، يمكن أن تحقق أهدافها بحلول «عيد الميلاد» من نفس السنة، ولكنها استمرت حتى نوفمبر من سنة 1918، وهي الحرب التي عُرفت بـ «الحرب العالمية الأولي». وفي سنة 1940 آمن النازيون بأنهم قادرون – من خلال ما يُعرف في العسكرية الألمانية بالحرب الخاطفة blitzkrieg – على احتلال أوروبا. إلا أن الإنجازات العسكرية السريعة التي حققها الألمان خلال الأسابيع الأولى.. باستخدام الحرب الخاطفة، لم تمكنهم من إنهاء الحرب سريعاً. إذ امتدت الحرب إلى سنة 1945، حيث انتهت ليس فقط بهزيمة «الرايخ الثالث» (ألمانيا النازية)، بل بانهياره كلياً. ولم تقف الحرب عند هزيمة ألمانيا، بل امتدت الحرب إلى تدمير مدن يابانية بالقنبلة النووية. والأهم.. هو ترك خطوط تماس وحدود جغرافية مشتعلة، أو قابلة للاشتعال في أي وقت.

دفعت محصلة الحربين العالميتين الولايات المتحدة الأمريكية – القوة العظمى الجديدة، وقائدة المعسكر الغربي الرأسمالي – (ومعها أوروبا)، ومعها دولة الاتحاد السوفيتي – قائدة المعسكر الشرقي الاشتراكي – في ظروف الحرب الباردة.. إلى نقل الحروب والعمليات العسكرية من مسرح الأغنياء والجبارين وذوي البأس الشديد، لتستقر أساساً لدى الجغرافيات العالم-ثالثية؛ حيث اعتاد الجباران الكبيران – حسب عالم السياسة الفرنسي برتران بادي – التجابه والتعارض بالنيابة، وبتوكيل ممنوح إلى الصغار وإلى الفقراء.
في هذا الإطار، تصوَّر البعض أن الحروب قد صارت مستحيلة في الشمال.. بنقلها إلى عالم الجنوب أو الفقراء. وظن الجميع أن الأمر سيستقر عند هذا الوضع، بيد أنه سرعان ما تجددت الحروب في المركز.. أو قريباً منه؛ كما رأينا في حرب يوغوسلافيا.. ومن ثم تفكيكها، وكان ذلك إيذاناً بالعودة مجدداً إلى زمن الاحتراب الأوروبي التاريخي من جانب، واشتعال المسألة البلقانية مرة أخرة من جانب آخر. واكب ما سبق انغماس الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الأفغانية.
لم يقف الأمر عند تلك الحروب.. المتعارف عليها بين الدول، بل فتح الباب على الحروب الجديدة.. التي تحركها النزعات العصبية، ولكن ظلت في إطار مؤسسات الدولة من جهة، والحروب بين الفواعل العسكرية والإرهابية المنتظمة.. خارج المؤسسية الشرعية والجيوش النظامية من جهة ثانية، والحروب الأهلية من جهة ثالثة. والأخطر، فتح المجال أمام من يمكن تسميتهم المرتزقة الجدد؛ سواء الذين يُستحضرون للانخراط في هيكليات ميلشية، أو الذين يتم توفيرهم عبر شركات الحرب، أو ما بات يُعرف بشركات الخدمات الأمنية والعسكرية.. مثل شركتي «بلاك ووتر» الأمريكية و«فاجنر» الروسية. (لمزيد من التفاصيل حول عالم الحروب، يمكن الرجوع للكتاب المرجعي الذي يتجدد طبعه حتى اليوم كتاب: الحروب الجديدة والقديمة .. العنف المنظم في عصر عالمي New & Old Wars: Organized Violence in a Global Era؛ لمؤلفته البروفيسورة ماري كالدور، مديرة وحدة أبحاث الصراع في قسم التنمية الدولية بكلية لندن للاقتصاد).
وبالعودة لدراسة «فريدمان»، فإنه يؤكد أنه «لا نهاية للحروب في المدى المرئي» No End In Sight. وبات يُعد من الأهمية بمكان «التمييز بين الانتصار وعدم الهزيمة». ومن ثم تصبح الحرب ممتدة ومستمرة حتى ولو قبل الطرفان المتحاربان وقف إطلاق النار. وفي هذا المقام، يستدعي الكاتب إلى الذاكرة وقف إطلاق النار الذي وضع حداً للحرب الكورية سنة 1953، دون إنهاء الصراع بين الكوريتين ومَن وراءهما؛ ومن ثم بقي الصراع مستعراً غير محسوم، وممتداً على مدى أكثر من سبعين سنة، حيث يحرص كل طرف على الاستعداد لنشوب الحرب في أي وقت.
وعلى هذا المنوال، هناك الكثير من الصراعات «المعلقة»، والممتدة في شتى القارات، مثل الصراع الأرميني-الاذربيجاني، والصيني-التايواني، والهندي-الباكستاني… إلخ. وتوصف الصراعات المعلقة – القابلة لتجدد اشتعالها في أي وقت – بأنها صراعات ذات حدود مفتوحة، تحمل غموضاً حول إمكانية وضع حد لها. لذا يلفت الباحث نظرنا.. إلى أن «الاستراتيجية العسكرية الفعالة لخوض الحروب، والتي كان هدفها السياسي واضحاً ومحدداً ومباشراً، كانت تحقق نجاحات سريعة ـ بالفعل ـ مثل حرب الخليج عام 1991، لأنَّ هدفها كان طرد العراق من الكويت فقط. في المقابل طال أمد الحرب الروسية-الأوكرانية؛ لأن روسيا البوتينية القومية سعت إلى السيطرة السياسية على أوكرانيا بالتمام، بدلاً من التركيز على «دونباس» فقط. لذا، فإنه كلما ارتفع سقف الطموحات الحربية، اتسع نطاقها وطال أمدها. ومن ثم تتبدل السرديات التي «تشرعن الحرب»؛ فمن كان يذهب إلى الحرب تحت ذريعة أنها حرب قصيرة.. لتأمين الحدود، تتحول مع مرور الوقت إلى أنها حرب وجود.
الخلاصة، أن الحروب – تاريخياً وراهناً – تفتح الباب دوماً للمزيد من الحروب، خاصة إذا ما ارتبطت بالسيطرة على الموارد والثروات، والمواضع الجيوسياسية الاستراتيجية. ومن المتوقع أن تزيد احتمالات الحروب.. في ظل التصارع الكوني بين الكتل الإمبريالية القديمة والجديدة، التي تتنافس – بالفعل – حول مقدَّرات الشعوب، ما سيجعلها تتعايش مرغمة مع قدَر الحروب.
نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة