عبدالله عبدالسلام
في عام 1977، ألقى ويليام هيج ( 16 عاماً) – الطالب في جامعة أكسفورد – كلمة أمام المؤتمر السنوي لحزب المحافظين البريطاني.. المعارض آنذاك. بدا واثقاً من نفسه. انتقد زعماء الحزب.. الذين فشلوا في إزاحة حزب العمال عن الحكم، فوصفه هؤلاء الزعماء بالغرور.. قائلين: «إذا كان حاله هكذا اليوم، فكيف سيصبح بعد ثلاثين عاماً؟».
بعد 20 عاماً فقط، أصبح هيج زعيماً للحزب، الذي كان قد خسر لتوه الانتخابات، ثم تولى وزارة الخارجية ووزارات أخرى عند العودة للسلطة. هيج ليس حالة استثنائية في السياسة البريطانية. التقاط الشباب الراغب والقادر على العمل السياسي.. تراث عريق أنجب أفضل السياسيين.
تذكرت تلك الحكاية، عندما قرأت أن المجلس القومي لحقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للانتخابات.. أطلقا – قبل أيام – أولى فعاليات برنامج تعزيز المشاركة السياسية والوعي الانتخابي للمواطن.
السفيرة مشيرة خطاب.. أكدت أن الشباب أهم فئة مؤثرة في العملية الانتخابية، بينما قال المستشار حازم بدوي: إن الهدف إعداد جيل قادر على ممارسة الحرية الانتخابية.
ومع كل التقدير لجهود المجلس والهيئة، يبقى الدور الأساسى منوطاً بالأحزاب.. التي تستعد لدخول الانتخابات البرلمانية خلال شهور. الفترة الماضية شهدت «جعجعة بلا طحن»؛ أحاديث حزبية كثيرة عن الاهتمام بالشباب، لكن لا شيء على الأرض تقريباً.
عمليات اكتشاف الشباب.. المهتم، والمستعد للعمل السياسي.. لا تتم في مكاتب مكيفة.
لا بد من التوجه إلى الجامعات والأندية والروابط، وعقد المؤتمرات.. التي تظهر من خلالها قدراته ومواهبه. الخطابة جزء مهم من تكوين السياسي.. حتى يمكن أن يواجه الجماهير بثقة، ويتحدث في البرلمان، ويدافع عن سياسات ومبادئ حزبه.
للأسف، سياسيو الشارع.. أصبحوا عملة نادرة عندنا. التركيز على الشباب القادر على البحث وكتابة الدراسات والمقالات فقط.. من شأنه تحويل الحزب إلى معهد أكاديمي، لا علاقة له بالجماهير.
وخلال الفترة المقبلة، سينصب التركيز على تشكيل القوائم، والحملات الانتخابية، بينما ليس على الأجندة.. مد اليد تجاه الشباب المتخرج حديثاً.. دون أن يجد عملاً، أو المقبل على الزواج.. وليس لديه ما يكفي لشراء شقة.
مشكلة التعامل مع الشباب ليست مصرية فقط. بالأمس، جرت الانتخابات العامة في أستراليا. الأحزاب الكبرى كانت تواجه معضلة عزوف الشباب، الذين اتهموا الأحزاب بالتعامل مع أزماتهم بشكل «ديكوري».. عن طريق عقد لقاءات، يتم خلالها التقاط الصور، والظهور في الأخبار.. لينتهي الأمر عند ذلك.
الأحزاب ردت بطرح برامج عملية. أحدها تعهد – إذا فاز – بتخصيص مبالغ محددة لتمويل شراء الشاب أول شقة في حياته. أحزاب أخرى قدمت مقترحات عملية.. بشأن التوظيف وتنمية المهارات. الوعود ليست نظرية، بل محسوبة «بالورقة والقلم»، أي محددة من حيث التكلفة وكيفية التمويل، وسيتم معاقبة الأحزاب عليها إذا لم يتم الوفاء بها.
منذ عقود، نشكو عزوف الشباب عن السياسة، ونتعهد ببرامج وخطط لاستعادته.. لكن الحصيلة غير إيجابية بالمرة، والدليل أننا نتحدث الآن.. كما كان سياسيونا يتحدثون قبل 50 عاماً. الفارق فقط في الأسماء، وربما المناصب.
إذا شعر الشباب بأن السياسة ستُحسن معيشته، وليست مجرد كلام ووعود، سيشارك فيها دون دعوة.
نقلاً عن «المصري اليوم»