عبدالله عبدالسلام
ونحن نشاهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقلب العالم رأساً على عقب؛ يفجر الحروب التجارية، ويهدد بحذف دول – مثل كندا – من الخريطة.. بضمها إلى أمريكا، ويعمل على تهجير الفلسطينيين من غزة، يثور تساؤل: هل يلعب ترامب الشطرنج مع العالم، أم أنه هو نفسه مجرد قطعة على لوحة اللعبة.. تحركه قوى اقتصادية واجتماعية كثيرة؟
يقودنا ذلك إلى تساؤل أكبر: من يصنع التاريخ، هل هم الزعماء والعظماء؟ أم أنه – كما يقول المؤرخ البريطاني أنطون هاوز – وراء كل يوليوس قيصر وكاثرين العظمى ونابليون أو دونالد ترامب – شبكة معقدة، لا يمكن فك شفرتها.. من القوى البشرية والمال والإنتاج والصراع الطبقي، التي تفسر سبب صيرورة العالم إلى ما هو عليه؟
الفيلسوف والمؤرخ الإسكتلندي توماس كارلايل (1795– 1881).. هو صاحب نظرية «الرجل العظيم»، التي ترى أن إنجازات البشرية صنعها قادة ومصلحون عظام. وله محاضرة ذائعة الصيت بعنوان: «محمد.. البطل نبياً».. عن الرسول عليه الصلاة والسلام. وهاوز – الذي يؤمن بالفكر الماركسي – يقول في حديث معه.. أجراه موقع «بيج ثانك» – إنه يُقدِّر تأثير العظماء، لكنه ينظر للتاريخ على أنه نتاج قوى أكبر.. كالظروف الاقتصادية والمالية، والعلاقات الطبقية، والتحولات البيئية والديموغرافية.
من السهل تفسير التاريخ.. من خلال الإشارة إلى الدور الحاسم للعظماء، لكن تلك رؤية مبسطة. التاريخ مزيج من نتاج المجتمع؛ بناسه العاديين وقواه المسيطرة والاقتصاد والشخصيات العظيمة أو القوية. محركات التاريخ الفعلية لا تتواجد كثيراً أمام الكاميرات، ولا تذكرها عناوين كتب المؤرخين. هناك مصرفيون ورجال بنوك – مجهولو الذكر – صنعوا التاريخ.. دون أن يظهروا في مانشيتات الصحف، أو يخصص لهم المؤرخون فصولاً في كتبهم.
التاريخ، كما يقول جوني تومسون، (الكاتب والمتخصص في الفلسفة): ممل للغاية. ليس كله أبطال، أو قادة عسكريون أو سياسيون.. يتمتعون بالدهاء. أشخاص عاديون شاركوا في الحروب أو الاحتجاجات التي غيرت مجرى الأحداث. هل يتذكر أحد صاوي أحمد صاوي – رئيس نقابات عمال النقل – التي نظمت اعتصاماً وإضراباً في 28 مارس 1954، شل حركة المواصلات بالقاهرة ..احتجاجاً على قرارات 25 مارس الديمقراطية، لمجلس قيادة الثورة؛ مما أدى للتراجع عنها، ليتغير تاريخ مصر تماماً؟ هل هناك قائمة بمن شاركوا فيه؟ للأسف، لم يتوقف المؤرخون عندهم. ملايين الفلاحين عبر التاريخ زرعوا وحصدوا، وأقاموا الحضارات، لكن أسماؤهم ظلت مجهولة. التاريخ يحتفظ فقط بأسماء قلة قليلة.
إيلون ماسك.. الملياردير، أغنى رجل فى العالم، ومستشار ترامب للكفاءة الحكومية، يبدو الآن صانعاً للتاريخ، ومحركاً للأحداث، لكن وراءه رجال أعمال وأعضاء في مجالس إدارات شركات التكنولوجيا العملاقة، التي تمارس – من وراء ستار – دوراً شديد الأهمية في تحديد مصير العالم.
ترامب نفسه، لم يكن ليتخذ تلك القرارات التي أصابت العالم بالدوار، لو لم تدعمه قوى دينية واجتماعية واقتصادية.. حملته إلى البيت الأبيض. وأنت تشاهد أفلاماً وثائقية عن الملوك والعظماء، أو تقرأ كتاباً عن شخصية تاريخية ملهمة، تذكَّر أن التاريخ أغفل بقية البشر، وركز فقط على هؤلاء، رغم أنهم ساهموا – بشكل أو بآخر – في صنع العالم الذي نعيشه الآن.
نقلاً عن «المصري اليوم»