Times of Egypt

معضلة سلاح «حزب الله» (1-2) 

M.Adam
د. أحمد يوسف أحمد  

د. أحمد يوسف أحمد 

سبق لي أن ناقشت أوائل أبريل الحالي.. مسألة نزع سلاح المقاومة في غزة، وانتهيت إلى «أن أي حديث عن تجريد المقاومة من سلاحها.. دون حل يستجيب للمطالب الفلسطينية المشروعة، هو مساهمة مرفوضة في تجسيد الحلم الصهيوني وأوهام الشرق الأوسط الإسرائيلي»، وأُعاود اليوم المحاولة – بالنسبة للمسألة ذاتها – ولكن في السياق اللبناني، وأعني المعضلة المتمثلة في السياسة اللبنانية الجديدة.. بشأن حصر السلاح قطعياً بيد الدولة، وهو ما يعني نزع سلاح «حزب الله»، وإن كان الرئيس اللبناني جوزيف عون قد اعتبر الموضوع حساساً.. يبقى تحقيقه رهن توافر الظروف الملائمة، وعبر الحوار. وهي تصريحات مسؤولة.. تعكس الخشية من أن أي نهج بديل – أي نزع سلاح الحزب بالقوة – لن يعني سوى حرب أهلية.. هي آخر ما يحتاجه لبنان، فما العمل؟  

لنبدأ القصة من أولها، وقد يكون مفيداً التذكير بفارق مهم.. بين حالة سلاح المقاومة في غزة، وحالة سلاح «حزب الله» في لبنان؛ فحماس تنفرد بحكم قطاع غزة حتى الآن، وقد يتصور البعض أن وضعها في غزة غير شرعي.. وهو تصور غير دقيق؛ فمشكلة الشرعية الفلسطينية.. موجودة لدى طرفيها المتنازعين، وهما «حماس»، والسلطة الفلسطينية. فقد فازت الأولى بالانتخابات التشريعية 2006، وأصبح من حقها تشكيل الحكومة، وهو ما حدث بالفعل برئاسة إسماعيل هنية، فيما كان محمود عباس المنتمي لفتح.. قد فاز بالانتخابات الرئاسية الثانية والأخيرة في عام 2005، وبالتالي كان الصدام الدموي بين الحركتين في غزة في 2007.. صداماً بين قوتين شرعيتين، علماً بأن القانون الأساسي – المعدل لسنة 2003 – ينص على أن مدة الرئيس والمجلس هي المرحلة الانتقالية، ومن ثم استمر عباس في السلطة حتى الآن 20 سنة، وطال عمر المجلس التشريعي لـ19 سنة؛ ومن ثم فدعاوى الشرعية واللاشرعية متساوية بين الطرفين. 

ويختلف هذا الوضع عن الحال في لبنان؛ فحزب الله لم يكن سوى حزب شرعي.. له مقاعد في مجلس النواب، ووزراء في الحكومة.. حتى ما قبل الحكومة الحالية، كما أنه كان قادراً – مع حلفائه وأصدقائه – على أن يوفر ما سُمي بالثلث المعطل، الذي مكَّنه غير مرة من تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية.. على سبيل المثال. وإلى الآن فإن نفوذ الحزب لم يتجاوز الشرعية، لكنه تجاوزها في مسألتين مهمتين؛  

أولاهما: فرض سيطرته على بيروت الغربية في مايو 2008، لفرض رأيه على مجلس الوزراء بخصوص رفض الحزب.. فصل رئيس أمن المطار (الموالي له). وكذلك رفضه التهديد بتفكيك شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب.  

أما المسألة الثانية: فهي اتباع الحزب سياسة خارجية خاصة به، لا علاقة لها بالدولة اللبنانية.. كما ظهر في تدخُّل قواته لدعم نظام بشار الأسد ضد المعارضة، اعتباراً من 2011، وتكرر الأمر لاحقاً في دعم الحوثيين – الذين انقلبوا على الشرعية في اليمن في سبتمبر 2014 – وإن كان الدعم غير مباشر هذه المرة، وإذا كان الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية.. قد مكَّن من التفاهم بين الحزب والدولة على مقاومة هذا الاحتلال، فإن التفاهم كان غائباً في حالة اتباع الحزب سياسة خارجية خاصة به. 

وقد مكنت موازين القوى – داخل لبنان وفي الإقليم – بالنظر للدعم الإيراني للحزب.. من استمرار هذا الوضع المتناقض، مع ضرورة احتكار الدولة للقوة المسلحة.. حتى حدثت النكسة الأخيرة في وضعه، بعد الضربات الإسرائيلية الموجعة له.. اعتباراً من سبتمبر الماضي، والتطورات التي سقط بموجبها نظام الأسد في سوريا – الذي كان يمثل قناة توصيل الدعم الإيراني للحزب – ومن هنا تغيرت المعادلة، وأمكن انتخاب رئيس للجمهورية، وتسمية رئيس للحكومة.. على غير هوى الحزب. ولم يعد هناك ما يميزه الآن.. سوى احتفاظه بما تبقى من سلاح، وبتأييد قاعدته الشعبية.  

في هذا السياق، طُرحت قضية نزع سلاح الحزب، وقد تبناها رئيس الدولة منذ الوهلة الأولى.. في خطاب تنصيبه؛ على نحو غير مباشر، بحديثه الحاسم عن حصر السلاح بيد الدولة، وهو مُعَزَّز في موقفه هذا، بضغوط إسرائيلية وأمريكية هائلة.. مفادها إنه لا إكمال للانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، ولا إعادة إعمار ومساعدات بصفة عامة، إلا بنزع سلاح الحزب. وتشارك في هذه الضغوط دوائر لبنانية وعربية. 

 وبالمقابل، فإن الموقف الواضح المُعْلَن للحزب – على لسان أمينه العام ومسؤولين آخرين فيه – هو الرفض القاطع لنزع سلاح الحزب، وأن أحداً لا يستطيع نزع سلاحهم، وأن إثارة هذا الموضوع – في هذا التوقيت، الذي لا تزال إسرائيل تحتل فيه مناطق حدودية في الجنوب اللبناني – يمثل خدمة لها.  

والواقع أن حل هذا التناقض بالحوار، وانتظار الظروف الملائمة.. ليس سهلاً بالنظر إلى المواقف السابقة لطرفي النزاع؛ أي الدولة اللبنانية و«حزب الله». صحيح أنه تلقى ضربات موجعة، ناهيك بفقدانه قناة دعمه الخارجي، لكنه مازال قادراً على مقاومة أي محاولة لنزع سلاحه بالقوة، ومن ثم إحداث نوع من عدم الاستقرار الداخلي.. قد يصل – لا قدر الله – لحرب أهلية، لا يريدها أحد من اللبنانيين.. أياً كان موقفه السياسي. ورأيي أن مفتاح التوصل لحل.. يكمن في ضرورة إجماع الأطراف المتنازعة على وضع النزاع في سياقه الأعم، وهو الخطر الإسرائيلي على لبنان. وليس هذا الخطر بالجديد أو الطارئ.  

وبعيداً عن موقع لبنان من المشروع الصهيوني، فإن سلوك إسرائيل تجاه لبنان – كما هو تجاه غيره من الدول العربية المحيطة بإسرائيل – يشي بعدوانيتها، وفي إطار توقِّي هذا الخطر، وحماية أمن لبنان.. يمكن تحقيق إجماع وطني؛ قوامه توفير الترتيبات والضمانات الكافية لحماية هذا الأمن، واستعادة الدولة اللبنانية لاحتكارها السلاح؛ بحيث يبقى «حزب الله» حزباً سياسياً مدنياً.. يمارس نشاطه كأي حزب آخر، معتمداً على قاعدته الاجتماعية، وهذا ما ستفصل فيه المقالة القادمة بإذن الله. 

نقلاً عن «الأهرام» 

شارك هذه المقالة