عبدالله عبدالسلام
هذه مقولة مأثورة، ومعناها.. إذا أردت أن تصل إلى عظمة أم كلثوم، فيجب أن يلحن لك موسيقار.. في عظمة وعبقرية رياض السنباطي (1906- 1981). وهناك أيضاً من فسرها، بالقول.. إن كل من كان يريد خوض تجربة التلحين لكوكب الشرق، خضع – بشكل أو بآخر – لطريقة السنباطي، حتى يكون أهلاً للتلحين للست.
لكني فهمت المقولة بصورة أخرى: كل من يريد أن يصل في عمله.. إلى مصاف الإبداع والتفرد، عليه الاستعانة بأفضل المواهب، وأصحاب القدرات الاستثنائية.. تماماً كما كانت تفعل الراحلة العظيمة، عندما اعتمدت – في ألحان وكلمات أغنياتها الخالدة – على مبدعين من قامة السنباطي وآخرين.
قبل سنوات، زرت كوريا الجنوبية لمدة شهر، وتعرَّفت على بعض أسباب المعجزة الكورية؛ خاصة في مجال التعليم. أبلغني أساتذة جامعيون.. أن المنافسة على دخول الجامعات الكبرى شرسة.. بشكل لا يصدق. السبب، أن هذه الجامعات تريد أن يكون لديها أفضل العقول الشابة، التي يمكن أن تجتاز سباق الحصول على وظيفة.. في الشركات الكورية الكبرى؛ مثل سامسونج وهيونداي ودايو وإل جي، وغيرها، التي لم تعد شركات محلية وإقليمية فقط، بل عالمية. هذه الشركات تقوم بتوظيف شباب من كل أنحاء العالم، وليس من كوريا فقط. وبالتالي، على أي شاب يطمح إلى وظيفة.. أن يضع في ذهنه أن المنافسة عالمية.
قارن ذلك بما يجري عندنا. تقريباً المنافسة بين الجامعات منعدمة.. ولو وُجدت، فإنها في أضيق الحدود. هذا ليس في الجامعات فقط، بل في مجالات عديدة.. كالبنوك وشركات الاتصالات، وكذلك الصحافة والإعلام. الصحف حالياً تتعامل مع بعضها.. كشقيقات وليست متنافسات على جذب القارئ.
المشاكل الأخيرة – التي أثارها سلوك بعض المسؤولين، في تعاملهم مع المواطنين العاديين، ومع رؤسائهم أو مرؤوسيهم – تؤكد الحاجة لتغيير جذري.. في طريقة التعيينات بالوظائف العامة، التي يجب أن تكون بالاختبار وليس الاختيار؛ حتى يمكن شغل هذه الوظائف بأفضل العقول.. القادرة على خدمة الوطن والمواطن.
من المهم مراعاة العوامل النفسية والسلوكية.. عند التعيين أيضاً. التفاعل مع الناس، يحتاج إلى سمات محددة.. لا تتوافر عند كثيرين. الشخصيات متوسطة المستوى – أو«النُص نُص» أو «الميديوكر» – لم تعد تصلح في عصر الذكاء الاصطناعي. أحد أسباب صمود الصين – في المواجهة مع أمريكا – تفوقها الكاسح في عدد المبرمجين والمصممين.. في التكنولوجيا ذات التخصصات الدقيقة. رؤساء شركات التكنولوجيا الأمريكية.. نقلوا مصانعهم إلى هناك، بسبب هؤلاء المبدعين.
الأمر أشبه بفريق كرة قدم.. ينافس على الفوز بالدوري الإنجليزي، أو الإسباني. لا مكان سوى للأفضل، الذي يجب البحث عنه، وضمه للفريق.. مهما كان ثمنه؛ محمد صلاح وعمر مرموش.. نموذجان ساطعان.
إذا أردنا أن نضع مصر.. في المكانة التي تستحقها، علينا البحث عن كل «سنباطي».. لكي يقدم أفضل ما عنده، وألا نرضى بأقل من ذلك.
مصر مليئة المواهب والمبدعين.. القادرين على الأخذ بيدها، لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.. شريطة توفير كل السبل لهم، وإنقاذهم من البيروقراطية، ووضعهم في الأماكن المناسبة.. التي لا يشغلها – في الغالب حالياً – الأشخاص المناسبون.
نقلاً عن «المصري اليوم»